خفايا وخبايا التيسير الكمي
جميع العملات الموجودة في التداول هي عملات معنوية تُسمى بالإنجليزية (فيات) و هذه العملات تُخلق من العدم على شكلِ أوراقٌ او أرقامٌ الكترونية من قبل بنوك خاصة أغلبها غير حكومية. و بينما نذهب نحنُ إلى العملِ للحصولِ على ما يكفينا للبقاء على قيد الحياة، تنهمك البنوك منذ أنْ تفتح أبوابها في الصباح بخلق نقوداً جديدة على شكل ديون لزبائنِها. و هذه النقود الجديدة تحصل على قيمتِها من النقود القديمة و تُؤدي إلى تدهور قيمتها. فإذا كُنتَ تلاحظ إرتفاع الأسعار و تدهور قدرتكَ على شراء ما تحتاجهُ، و إذا وجدت نفسكَ مضطراً إلى تقليل مصاريفكَ و التنازل عن شراء بعض حاجاتكَ لكي تكفي النقود؛ فإنّ سببَ ذلك هو؛ أنّ المنظومةَ البنكيةِ تنهبْ هذه اللقمةَ الاضافيةِ منكَ لكي توفر السيولة للاسواقِ. و ربما تتساءلُ لماذا لا توجد سيولة نقدية بالرغمِ من إنّهم يخلقونها من العدم؟ و الجواب بسيط و هو أنّ الثرواتِ قد تراكمتْ لدى حفنة صغيرة من الثقوب الراسمالية السوداء التي لا تفلت منها نقود.
إنّهم ببساطة يسرقوننا يومياً لإدامة المنظومة التي لم تعد تعمل سوى لمصلحةِ حفنة من الناس.هنالك مصطلح إقتصادي إسمهُ (التيسير الكمي)، لا تدع المصطلحات تخدعك، فالتيسير الكمي عبارة عن عملية سطو و نهب كبيرة تقوم بها البنوك المركزية، و هي حرفياً تعني قيام البنك المركزي في أيّ دولةٍ بخلقِ كمياتٍ كبيرة من عملتها من العدم و ضخها في الأسواق التي تعاني الركود لكي "تتعافى" و عندما تتعافى هذه الأسواق يكون المجتمع قد اصبح أكثر مرضاً من السابق، بسبب الغلاء و اللهث، لإجل البقاء في عجلة الهامستر
الرأسمالية.
بعد إجتماعات بنك التسويات الدولية عام 2010 طالبتْ روسيا و الصين البنك الإتحادي الفيدرالي الامريكي بالتوقف عن ضخ الدولارات المخلوقة من العدم في الأسواق العالمية، و لكن البنك الإحتياطي الفيدرالي ردَّ بخلق تريليونين من الدولارات بعد أيام قليلة من الإجتماع لسد عجز الميزانية الأمريكية. و لإن الدولار هي عملة التجارة العالمية فإنّ هذا سيؤدي إلى إنخفاض قيمتها مقابل العملات الاخرى و يتسبب في مشاكل لبقيةِ دول العالم التي تضطر هي الاخرى في خلق نقودها من العدم للمحافظةِ على أسعار الصرف و هكذا ترتفع الأسعار عالمياً و يدفع ثمن “حر ب العملات” هذه جميع سكان الأرض من ذوي الدخول الثابتة، و سنة بعد اخرى تواصل الدول حرب العملات هذه على البشريةِ و يصبح 99% من الناس أكثر فقراً مع صباحِ كل يوم تُفتح فيهِ البنوك أبوابها. الأنباء المقلقةِ حول تَباطُؤ الإقتصاد الصيني و إنكماش الإقتصاد الروسي تاتي في وقتٍ تحبس فيهِ أوروبا أنفاسها من إستفحال الأزمة اليونانية التي بدأتْ تدخل أخطر مراحلِها، فاليونان رفضتْ جميع إملاءات التقشف الأوروبية التي أشترطتها لمنح اليونان قروضاً جديدة، و البنوك المانحة أعلنتْ تأكيدها على رفض الشروط اليونانية. الترويكا الاوروبية تطالب كالعادةِ اليونان بتخفيضِ النفقات الحكومية عبر خصخصة و بيع كل ما تستطيع بيعه، و طردُ عشرات الالاف من الموظفين الحكوميين مما سيُؤدي إلى إرسال الملايين من الناس إلى الجوعِ و التشرد.
رفض الحكومة اليونانية لهذه الشروط لن تجعل الأوضاع أفضل، فقبل نهاية شهر أبريل ستكون الخزانة الحكومية خالية تماماً، و هو ما يعني إفلاس الدولة و خروجها من منطقةِ اليورو و إنهيار المجتمع اليوناني في فوضى سياسية ستنعكس آثارها على اوروبا باسرِها، خصوصاً و إنّ إسبانيا و إيطاليا و البرتغال لا تحتاج سوى إلى قشةٍ لكي تنهار أيضاً. إنّ الأزمة الراسمالية العالمية دخلتْ الآن مرحلة خطيرة جديدة و تتلبد السماء بغيوم الأزمة و تحبس جميع الدول أنفاسها أزاء التدهور المتسارع للامور.
ليستْ هنالك مؤامرة و لا علاقةَ لما يجري بالجشعِ و الأنانية و حب السيطرة، فإذا تَوقفتْ الدول عن خلقِ النقود فإنّ المنظومة ستنهار فورا. المنظومة الراسمالية لم تعد تعمل، و دفعات النقود الجديدة و إشعال الحروب تمنحها القليل من الحياة لبعض الوقت. و أسياد هذه المنظومة لا يعرفون طريقة اخرى للحياة غير إقتصاد السوق، بالتالي؛ هذه المنظومة من مصلحتهم و هي منظومتهم، أمّا نحن الباقون؛ الأغلبية الساحقة، فإننا و برغم كُل ما نتعرض له فإنّ أغلبيتنا ما زال يسخر من التغيير و يعتبر إنّ إنهاء الراسمالية “طوباوية”، و طالما نحن نُنهب بصمتٍ و نتصرف كعبيدٍ مُهذبين يفضلون الموت على العمل لإجل حريتهم، فإنّ العالمَ سيصبح أكثر سوءاً مع كل يومٍ جديد، حتى يأتي اليوم الذي تَتحلى فيهِ الأغلبية المسحوقة بالشجاعة و الوعي الكافي للعملِ على تغيير هذه المنظومة الفاسدة.
0 comments: