ذكريات طبيب مسيحي مهاجر في كربلاء



(صوت العراق) -
بقلم: د.نوئيل فرجو


noail.ferjo@yahoo.com
لم انس ومنذ اللحظة التي وطأت بها قدماي شيكاغو كل تلك الآلام التي حملتها معي من وطني ولم انس برغم ترقرق الماء الازرق في بحيرة ايري في مشيكان حجم الجراح التي حملتها معي في حقيبة السفر لم أنس محاولات إلغاء آدميتي و شرف مهنتي وسلوكي الإجتماعي والوظيفي لم أنس ذلك وغالباً ماتعاتبني أكنشكا زوجتي الامريكية ذات الأصول البولندية على إنسحابي من اجواء العائلة وذهاب عقلي الى هناك الى العراق رغم المورد العالي لطبيب عام يعمل في الولايات ورغم الفيلآ الضخمة و السيارة الفارهة ولكن يبقى هنالك في القلب غصّة وفي الوجدان جرح. كان ذلك في تسعينيات القرن الماضي عندما عُيّنت طبيب تدرج في كربلاء في مركز صحّي ولن أنسى ماحييت ذلك الشارع السياحي الذي يربط بين كربلاء والسدة فإنه اجمل من كل بحيرات الولايات وسحرها . كنت سعيداً بالمكان والزمان وطيبة أهالي المنطقة وكرمهم الغير متناهي فعندما اجلس في المطعم يقوم في الغالب أشخاص لا اعرفهم ويقولون دكتور وصل حسابك وكان زملائي يعلقون: مصلاوي ومسيحي وميعجبه واحد يدفعله ورغم أن كربلاء كانت لاتزال تعاني من آثار الخراب رغم مرور سنوات على ماسمي في حينها بالغوغاء وكان الفقر واضحاً ولكن أهلها لم ينسوا الكرم العراقي والطيبة العراقية. كنت سعيداً وكانت أمي أسعد وأبي الذي كان معلماً قديماً هجر الموصل بعد 1963كان يتمنى أن أبقى سعيداً بمهنتي رغم أني كنت أستلم راتبي منه حيث أن راتبي من الدوله كان 3000 دينار عراقي فقط أي لم يكن يعادل دولاراً واحداً حيث وصلت قيمة الدولار في ذلك الوقت الى أكثر من 3000 دينار عراقي. بعد 3 أشهر بدأت الآلام والمعاناة حيث أُمرت أن أذهب لفحص المساجين في السجن الرئيسي في كربلاء ولقد كانت مناظر مقززة فلا ازال أذكر أشكال المجرمين كالمزورين والمحتالين والقتلة وكانت معظم إصاباتاهم هي الجرب الذي عادة ماكان يصيب المساجين في العراق بسبب البيئه الرديئة في السجون تكرر الموضوع وعندما اعترضت كوني لست الطبيب الوحيد في المحافظة قيل لي أن الأمر صادر من المدير العام ولايُناقش وتعودت على جرَب المساجين ولكن حدث في يوم ما أني أستدعيت الى غير السجن المعتاد وإنما ذهبت الى دائرة الأمن وهناك رأيت مالايستطيع بشر أن يحتمله فلقد كان المساجين العاديين سعداء قياساً بمساجين الأمن لقد رأيت قلع الأظافر وكي الجلد وإطفاء السجائر في الجسم وآثار الصعق الكهربائي وجراح المقعد وكسر الأذرع . فطلبت من احد الموظفين من مرتدي الزيتوني ان يدلني على التواليت وهناك بقيت اتقيّأ حتى قهقه أحد أفراد الامن وقال ان الطبيب الذي جلبناه لفحص ( المجرمين) سننقله الى المستشفى. أُستدعِيت مرّة أخرى الى نفس المكان وهذه المرّة كانت لفحص ميت وكان عمره لم يتجاوز الخمسين وبدت على جسمه آثار التعذيب فطُلِبَ مني تحرير شهادة وفاة له على إنه مريض بالقلب وعندما اعترضت نظر الي ضابط الأمن نظرة تهديد وقال دكتور اذا لم تكتب شهادة الوفاة على كونه مصاباً بالجلطة القلبية فسنفتح سجلاتك وتاريخ العائلة فقلت له فقط سآخذ رأي مديري. عرفت من تلميحه أن أخبار كوني من عائلة كانت شيوعيه قبل 30 سنه مايقصده فهناك في كربلاء لا تخفى خافية على الأمن و توجهاتهم كانت ضد الإسلاميين ولكن وجود طبيب من عائلة شيوعية لديها سجل في دوائر الامن جعلني هدفاً للإبتزاز. كان هناك طاغية يرأس صحة كربلاء بعثي بدرجة عضو شعبة ورفض مقابلتي حين علم أن سبب المقابلة شهادة وفاة في دائرة الأمن. هرعت الى إحدى الزميلات الكربلائيات التي لاحظت الخوف والهلع بعد زيارتي الى دائرة الامن فنصحتني بالذهاب الى صديق المدير العام وهو طبيب إختصاص نفسية وله علاقات قوية مع دوائر الامن والمسؤولين وسيتعاون معي فذهبت الى الزميل المذكور ودخلت الى عيادة قديمة مظلمة في كربلاء وكانت خالية من المرضى وكان التيار الكهربائي مقطوعاً وهناك جهاز الاي سي تي القديم لكوي مرضى الشيزوفرينيا والكآبة الذي بدات الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدول بتقليص استخدامه. المهم استقبلني الزميل وكان اسمه صالح ولم يكن صالحاً على الإطلاق بإبتسامة واسعة وبعد ان شرحت له مشكلتي وكيف يستطيع أن يتوسط لي لدى صديقه المدير العام أو مدير الامن قال لي ضاحكاً هذه الكلمات التي لازالت كالخنجر في صدري ولن انساها ما حييت أنت مسيحي وسبورت والجماعة يحبون الكيف والكأس فحاول أن تقيم لهم حفلة خاصة في بغداد وسنأتي معهم وبعدها ستكون الفتى المدلل ولن ترى السجن والامن مرّة أخرى لم أستطع ان اكمل لقائي بذلك الزميل حيث شعرت أني بحاجة الى الأوكسجين فإن والدتي سوف لن تكون فخورة بي إذا عرفت أني غيرت مهنتي من طبيب الى ق .... وكنت راغباً بأن أصرخ في وجه الزميل بأنه إذا رضي لنفسه أن يكون ق .... فإنني قد رُبيتُ على غير هذه الطريقة لأنني بإختصار سوف لن أكون جديراً بأبوّة أبي وامومة أمي بحثت عن مكان للبكاءوبما إنه لم تكن على القرب كنيسة فألقيت رأسي على أقرب مكان مقدس لدى أهل كربلاء بين الإمامين وللأسف نسيت الآن لمن يعود ذلك الشباك الصغير المقدس و بين إمرأتين ريفتين زائرتين هناك بكيت وبكيت الى حد إستزاف آخر دمعه كنت حبستها منذ سنين. ذهبت الى بغداد وأنا اتلفت ورائي وكان قراري بالهجرة واضحاً بحيث لم تستطع امي ولا أبي مناقشته وبعد رحلة متعبة الى الموصل وكردستان وتركيا مروراً بباريس وصولاً الى الولايات المتحدة حيث إستقبلني خالي هنا في مشيكان وانا الآن أعمل طبيب ممارس عام فيها وأعتقدت باني نسيت العراق ولم أضع ستلايت في بيتي لكي لا أضعف إذا شاهدت بغداد فاعود. قبل اسبوعين من الآن وفي الويك اند زرنا أقاربي على بعد 200 كيلومتر من بيتي ولقد أعد لي فديو تيب الأغاني القديمة من ناظم الغزالي الى زهور حسين وشاهدت قناة العراقية وهناك كانت وقفتي بين أصدقائي وعائلتي بما يشبه الصدمة وتملكتني نفس الاعراض التي شعرت بها في دائرة الامن فلقد ظهر على شاشة التلفزيون نفس الزميل الذي دعاني لأن أكون ق.... أعدت النظر مرتين وثالثة فتبين إنه هو هو والفرق الوحيد هو زيادة وزنه ومساحة صلعته وسمك نظاراته ولكن عنوانه هذه المرّة وزير صحّة وقبل ان اتقيّأ احسست بذراع أكنشكا تحيط بعنقي فاستعدت وعيي وعبّأت كأسي بالنبيذ الفرنسي الاحمر ورفعت كأسي لأكنشكا التي بادلتني بنظرة حب صادقة ولمضيفنا الذي قال لنشرب صحة العراق فقاطعته وقلت لنشرب صحة اوباما فإني باقٍ هنا والى الأبد. 
د.نوئيل فرجو 
منقوووووووووول

0 comments:

Blog Tips
Blog Tips
2009@ سوالف عراقية

اشترك معنا في سوالف عراقية