ليبيا خضراء أم صحراء
ليبيا خضراء أم صحراء
في غضون بضعة أشهر تحولت ليبيا إلى خراب , وما تم بناؤه في أكثر من أربعة عقود أضحى محض سراب. فالشعب ثار ونظام الحكم ما اعتبر ولا أثاب وإنما أمعن في الإندفاع المرهون بالقوة والمأسور بعدم الصواب.
والحالة الليبية ذات دلالات وإضاءات لكننا لا نتعلم ولا نتعظ.
فرجل النظام الأول قد فكر ونظّر ووضع كتابه الأخضر , على غرار كتاب ماو الأحمر , وشتان ما بين الكتابين والرجلين. وهو الذي بنى وحكم وطغى وتجبر , وفي لحظة زمنية مباغتة تحتاج إلى حكمة وصبر وتدبر , سقط في الهاوية وما أدراك ما هي. وبرغم كل ما يقال عنه وفيه , يتميز بذكاء واضح ومهارات قيادية أسهمت في بقائه في السلطة لأكثر من أربعين عاما. ومن عجائبه أنه قد تنبأ بأن مصير رأس النظام العراقي سيشمل الحكام العرب أجمعين , وقالها بصراحة أن الدور قادم علينا جميعا وبأننا سنلقى ذات المصير.وفي لحظة الوعي تلك , التي أعتبرت نوع من المزحة أو أنها طرفة , لم يعتبر الحكام العرب , ولم يعتبر هو أيضا , ولم يتفكر بالحلول والإستباق ومنع الإنهيار.وإنما نسي أو تناسى وتمترس بالقوة الوهمية وبقدرات النظام على القمع والترهيب وتنمية الخوف والشعور بالخنوع والإذلال.
ومشكلته مشكلة جميع الحكام العرب حيث أنهم قد فشلوا في إدراك المرحلة الجديدة , مرحلة الإنتقال من قرن إلى قرن, وظلوا متمسكين بأساليب القرن العشرين وهم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين . وحتى اليوم لم يدركوا أنهم في قرن جديد يحتاج إلى تغيرات وتفاعلات غير التي حافظت على وجودهم في كرسي الحكم في القرن الماضي , وأن على نمطية القرن العشرين أن تتهاوى وتتبدل.نعم لا يزال الكثيرون لا يدركون ذلك مما أدى إلى تهاوي الأنظمة بسرعة ووفقا لمسيرة تداعيات تكنز قوة فعلها وإستمراريتها.ولا يمكن لأي نظام في المنطقة أن يبقى إن لم يتغير , بمعنى أن يغادر خندق القرن العشرين ويعي بأنه في القرن الجديد بآلياته وخرائط صيرورته الجديدة.
فرجل النظام الليبي الأول كأي حاكم عربي آخر أخطأ وأصاب واجتهد وظلم وتكبّر وبنى وهدم وحافظ على سيادة بلاده, وارتكب خطيئة كبيرة في آخر أيامه عندما أغفل الحالة الجماهيرية والوجود المتصاعد لإرادة التغيير , والتي هبت عليه كالعاصفة الرملية الصحراوية وما أدركها بل أنكرها , وكان يلوم الشعب التونسي على التغيير.
وما حسب أن رياح التغيير العاتية ستعصف ببلاده , ورأى بأنه المنزه الذي وفر للجماهير قدرات الحكم والقوة والسيطرة , وبهذا التصور إنتحر نظامه واحترقت نظرياته وأصابه ما أصابه. وما هي إلا أشهر أو أسابيع أو أيام حتى يتم القبض عليه , وسنرى صورة أخرى لحاكم عربي في تداعيات الرحيل , إلا إذا اتخذ قرارا آخر يقرر فيه خاتمة حياته.إن الطغيان ليكبو , وإن كبى ينتهي حتما , وقد كبى صاحب الكتاب الأخضر , وكبوته كانت إنتحارية وذات جنون , فأردت به وبتاريخ ليبيا الذي أراد أن يكتبه في خيمته الخضراء, وقد تنبأ ولكنه لم يصدّق نبوءته فانتهى.
د.مراد الصوادقي
في غضون بضعة أشهر تحولت ليبيا إلى خراب , وما تم بناؤه في أكثر من أربعة عقود أضحى محض سراب. فالشعب ثار ونظام الحكم ما اعتبر ولا أثاب وإنما أمعن في الإندفاع المرهون بالقوة والمأسور بعدم الصواب.
والحالة الليبية ذات دلالات وإضاءات لكننا لا نتعلم ولا نتعظ.
فرجل النظام الأول قد فكر ونظّر ووضع كتابه الأخضر , على غرار كتاب ماو الأحمر , وشتان ما بين الكتابين والرجلين. وهو الذي بنى وحكم وطغى وتجبر , وفي لحظة زمنية مباغتة تحتاج إلى حكمة وصبر وتدبر , سقط في الهاوية وما أدراك ما هي. وبرغم كل ما يقال عنه وفيه , يتميز بذكاء واضح ومهارات قيادية أسهمت في بقائه في السلطة لأكثر من أربعين عاما. ومن عجائبه أنه قد تنبأ بأن مصير رأس النظام العراقي سيشمل الحكام العرب أجمعين , وقالها بصراحة أن الدور قادم علينا جميعا وبأننا سنلقى ذات المصير.وفي لحظة الوعي تلك , التي أعتبرت نوع من المزحة أو أنها طرفة , لم يعتبر الحكام العرب , ولم يعتبر هو أيضا , ولم يتفكر بالحلول والإستباق ومنع الإنهيار.وإنما نسي أو تناسى وتمترس بالقوة الوهمية وبقدرات النظام على القمع والترهيب وتنمية الخوف والشعور بالخنوع والإذلال.
ومشكلته مشكلة جميع الحكام العرب حيث أنهم قد فشلوا في إدراك المرحلة الجديدة , مرحلة الإنتقال من قرن إلى قرن, وظلوا متمسكين بأساليب القرن العشرين وهم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين . وحتى اليوم لم يدركوا أنهم في قرن جديد يحتاج إلى تغيرات وتفاعلات غير التي حافظت على وجودهم في كرسي الحكم في القرن الماضي , وأن على نمطية القرن العشرين أن تتهاوى وتتبدل.نعم لا يزال الكثيرون لا يدركون ذلك مما أدى إلى تهاوي الأنظمة بسرعة ووفقا لمسيرة تداعيات تكنز قوة فعلها وإستمراريتها.ولا يمكن لأي نظام في المنطقة أن يبقى إن لم يتغير , بمعنى أن يغادر خندق القرن العشرين ويعي بأنه في القرن الجديد بآلياته وخرائط صيرورته الجديدة.
فرجل النظام الليبي الأول كأي حاكم عربي آخر أخطأ وأصاب واجتهد وظلم وتكبّر وبنى وهدم وحافظ على سيادة بلاده, وارتكب خطيئة كبيرة في آخر أيامه عندما أغفل الحالة الجماهيرية والوجود المتصاعد لإرادة التغيير , والتي هبت عليه كالعاصفة الرملية الصحراوية وما أدركها بل أنكرها , وكان يلوم الشعب التونسي على التغيير.
وما حسب أن رياح التغيير العاتية ستعصف ببلاده , ورأى بأنه المنزه الذي وفر للجماهير قدرات الحكم والقوة والسيطرة , وبهذا التصور إنتحر نظامه واحترقت نظرياته وأصابه ما أصابه. وما هي إلا أشهر أو أسابيع أو أيام حتى يتم القبض عليه , وسنرى صورة أخرى لحاكم عربي في تداعيات الرحيل , إلا إذا اتخذ قرارا آخر يقرر فيه خاتمة حياته.إن الطغيان ليكبو , وإن كبى ينتهي حتما , وقد كبى صاحب الكتاب الأخضر , وكبوته كانت إنتحارية وذات جنون , فأردت به وبتاريخ ليبيا الذي أراد أن يكتبه في خيمته الخضراء, وقد تنبأ ولكنه لم يصدّق نبوءته فانتهى.
د.مراد الصوادقي
0 comments: