السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟......1
السنة والشيعة لماذا يتقاتلون؟
يتصدر الكتاب إهداء إلى الصحافية والشاعرة والروائية العراقية الشهيدة التي قتلت غدراً في 22 شباط 2006 بعد أن خطفت على يد الإرهابيين التكفيريين من تنظيم القاعدة ،أطوار بهجت مراسلة قناة العربية الفضائية وهي من أم شيعية وأب سني ومن مواليد مدينة سامراء
في المقدمة التمهيدية للكتاب ركزت الكاتبة على حادثة اغتيال الإعلامية العراقية الشهيدة أطوار بهجت وتطرقت إلى تفاصيل كثيرة ودقيقة عن ظروف عملية الاغتيال وأسبابها وخلفياتها في أعقاب تفجير مرقدي الإمامين العسكريين المقدسين الشيعيين في سامراء مسقط رأس الصحافية حيث انطلقت من هناك بوادر حرب أهلية – طائفية مدمرة وانفتح جرح لم يندمل منذ قرون وكاد أن يغرق العراق ببحر من الدماء. حيث صار يذبح كل فرد من أبناء الطائفتين يقع بين أيدي المسلحين من الطائفة الأخرى لا لشيء إلا لأنه يحمل اسم عمر أو عثمان، علي، أو حسين.. وتساءلت الكاتبة في مقدمتها إلى متى يعود تاريخ هذا الحقد الدفين بين الطائفتين ؟ ولماذا يتقاتل أبناء محمد فيما بينهم؟ ولو عاد نبي الإسلام إلى الحياة هل سيصبح سنياً أم شيعياً؟ ولماذا يدفع أبناء الإسلام الأبرياء ضريبة الدم هذه ولمصلحة من؟ خاصة وأن هذا الأمر لا يقتصر على العراق بل يوجد مثيلاً له في كل مكان يتواجد فيه شيعة وسنةن في لبنان والباكستان وأفغانستان والهند ولبنان ومصر والسعودية والبحرين والكويت وسوريا واليمن ودول الخليج الخ .. ولكن بدرجات متفاوتة.
ومنذ البداية وجهت الكاتبة أصابع الاتهام لهذا الصراع المذهبي الدامي إلى التنافس والتناحر الشديد بين قطبي الإسلام المعاصر وهما إيران والعربية السعودية وكيف يقوم الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة السابق في واشنطن بتمويل الجماعات السنية المسلحة لمواجهة المد الشيعي، ومسؤولية الأيديولوجية الوهابية المتشددة والمتعصبة في تأجيج الصراع منذ عقود طويلة. وتطرقت الكاتبة إلى أمثلة عديدة على ذلك في العراق ولبنان وسورية والباكستان وأفغانستان. وكانت هذه المقدمة غنية ومليئة بالأمثلة والأرقام والإحصائيات والأدلة والشواهد الحية المعاصرة والتاريخية.
الفصل الأول حمل عنوان: إلى متى يعود عهد هذه القطيعة؟
وبالتالي فالكاتبة تفترض مقدماً أن هناك قطيعة شبه نهائية قد حصلت في جسم العالم الإسلامي منذ بدايات الرسالة. وتذكر بالتحديد تاريخ يوم من أيام شهر حزيران سنة 632 وتقول أنه يوم الاثنين بينما يقول بعض الشيعة أنه يوم خميس وسمي بيوم الرزية. في ذلك اليوم اندلع الانشقاق والاختلاف عندما كان نبي الإسلام ومؤسس الرسالة وقائد الأمة يحتضر على فراش الموت في غرفة زوجته الشابة والمفضلة عائشة بنت أبي بكر الصديق، حسب رواية المؤرخ الإسلامي الطبري، الذي استندت إليه الكاتبة. وكانت شرارة السباق على الخلافة قد انطلقت بعنف وقوة وسط أجواء مشحونة وتوتر ينطوي على استعداد لحسم الموقف بقوة السلاح كما يلخصها الطبري في كتابه تاريخ الطبري ، وفي الجزء الثالث منه الذي كان بعنوان " محمد خاتم الأنبياء" المترجم إلى اللغة الفرنسية من قبل هيرمان زوتنبيرغ والمنشور سنة 1989. وكان مؤلف السيرة، الإمام الطبري قد كتب كتابه بعد مضي قرنين على ذلك الحدث أي وفاة الرسول. وحاول المؤرخ أن ينتزع من هنا وهناك نتفاً من الحقيقة الضائعة عن بداية هذا الدين السماوي التوحيدي الثالث وتسليط الضوء على اللحظات الأولى للمواجهة العنيف بين أتباع هذه الطائفة أو تلك للحصول على الخلافة.
وحتى لحظة الوفاة وأثناءها وبعدها كان الجو ينذر بالخطر وقد بقي جثمانه بعد الوفاة ثلاثة أيام قبل دفنه وهو أمر غريب في عرف ذلك الزمن وفي مناخ شديد الحرارة تتفسخ فيه الجثث بسرعة لذلك تدفن في نفس يوم الوفاة. لأن الجميع كان منشغلاً بأمر الخلافة عدا الإمام علي ابن أبي طالب ، صهر النبي وابن عمه، الذي كان يهتم بأمور التغسيل والتكفين والدفن وطقوس الصلاة على الميت بينما تتواجه القبائل والزعامات والشخصيات الطموحة، من أنصار ومهاجرين، في المدينة التي فقدت وحدتها وتآخيها وأخلاقها وقيمها التي أرساها مؤسس الإسلام، وحدد فيها كل شيء تقريباً ، من حقوق وواجبات على كل مسلم ومسلمة، ماعدا مسألة الخلافة كما يدعي جزء كبير من المسلمين الذين يعرفون اليوم بأبناء السنة والجماعة. بينما يؤكد خصومهم ومنافسيهم المعروفين اليوم بالشيعة أن النبي لم يرحل عن الحياة قبل حسم هذا الأمر الشديد الأهمية واختار علياً وصياً وخليفة له لاسيما في خطبة الوداع في غدير خم لهداية أتباعه والمؤمنين برسالته.
تطرقت الكاتبة في هذا الفصل إلى جميع الأحداث والتفاصيل التاريخية التي كانت سائدة في المدينة في ذلك الوقت العصيب خاصة فيما يتعلق بأهل البيت وأصحاب الكساء أي فاطمة وعلي والحسن والحسين، ولديهما الصغيرين آنذاك، الملتفين حول جثة الحامي الأول لهم والذي فقدوه والحزن يلفهم بينما كان الآخرون يجتمعون في سقيفة بني ساعدة للتفاوض بشأن مصير الإسلام ومستقبله وهم الصف الأول من الصحابة الطامحين للحصول على السلطة بأي ثمن حتى لو كان بقوة السلاح في أجواء تشبه ما يحدث اليوم إبان الانقلابات العسكرية. كان الأنصار يرفضون قيادة منفردة من المهاجرين تتسلط عليهم ويطالبون بقيادة ثنائية، أو شخص يختاروه هم، وكان الشخص الوحيد الذي يمكن أن يرضي قواعد الطرفين الشعبية هو علي ابن أبي طالب وهو أول من أسلم من الذكور وعمره عشر سنوات والذي قاتل واستبسل من أجل الإسلام في كل معاركه وتقلد سيف الرسول ذو الفقار .
ثم تناولت الكاتبة بأسلوب النقد والتعليق حيثيات ما جرى في السقيفة وكيف تمكن أبو بكر والد عائشة زوجة النبي ، وبمساعدة عمر ابن الخطاب، من فرض الأول كخليفة للمسلمين وأخذ البيعة له بالقوة وكيف حاول أبو سفيان عدو النبي اللدود في معسكر المشركين قبل فتح مكة أن يلعب على هذا الانقسام ويستغله ويكيد للإسلام عندما ذهب لعلي ليغريه بالتمرد على خلافة أبو بكر واستعداده لجمع جيش جرار من قبائل مكة تحت قيادة علي للإطاحة بسلطة أبو بكر وعمر إلا أن علي رفض التحالف مع أبو سفيان وفضل السكوت على مضض حماية للإسلام من الانشقاق والتفتت والتشرذم، وهو يعلم أن أبو سفيان لديه مصالح شخصية، ويكن كرهاً دفيناً للإسلام، وتتملكه رغبة في الانتقام، ولا يهمه صالح الإسلام والمسلمين. وعندما لم يجد أبو سفيان آذاناً صاغية لدى علي بن أي طالب تحالف مع أبو بكر وعمر بشرط أن تعطى ولاية الشام لأحد أبنائه وهكذا حصل. اتفق رهط من الصحابة على منع أهل البيت من الجمع بين النبوة والخلافة حتى لا يحدث تقليد يحدد الخلافة حصراً ببيت النبوة وسلالة النبي. اللغز الكبير الذي ظل بلا جواب هو لماذا صمت الإمام علي على حقه إذا كان مقتنعاً بأنه منصوص عليه من السماء؟ إن ذريعة المحافظة على الوحدة الإسلامية وتماسك الدين غير كافية لتبرير هذا الموقف المسالم، والدليل أن الإسلام انشق على نفسه، ووحدته تعرضت ومازالت تتعرض للخطر منذ 1500 عام. ثم استعرضت الكاتبة خطوات الخليفة الأول لترسيخ سلطته وشنه لحروب الردة يساعده في ذلك الرجل الثاني في النظام وهو عمر ابن الخطاب. ومحاولة الثاني إرغام العائلة العلوية على المبايعة ولو بالقوة واستغناء أبو بكر عنها طالما كانت فاطمة بنت النبي محمد على قيد الحياة، لاسيما بعد رفض الخليفة منحها إرثها من أبوها في منطقة فدك، وهي ملكية يهودية آلت إلى النبي بعد دحر اليهود كغنيمة أورثها لفاطمة لكن أبو بكر صادرها بحجة أن ألأنبياء لا يورثون أو هكذا ادعى أنه سمع النبي يقول وهو الوحيد الذي كان مصدرا لهذا الحديث الذي لم يسمعه غيره من الصحابة.
وهكذا برز مفهومان للإسلام، الأول يقف إلى جوار الفقراء والضعفاء والآخر يقف مع الأغنياء الارستقراطيين والأقوياء، الأول يتزعمه قائد قريب من الموت وزاهد في الدنيا ولا يسعى إلى السلطة بأي ثمن والثاني نقيضه تماماً. كانت سلطة الخلافة الأولى براغماتية واستفرادية أو إقصائية تحابي بعض الصحابة وتهمل البعض الآخر، وكانت دنيوية بحتة التف حولها القادة العسكريون وقادة الفتوحات والأغنياء من الصحابة وابتعد عنها المستضعفون والمثاليون من أمثال أبو ذر الغفاري وعمار ابن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد ابن الأسود وغيرهم. وقد كرست الكاتبة صفحات كثيرة للحديث عن فاطمة الزهراء ومكانتها عند النبي ودورها قبل وبعد وفاة النبي حيث توفيت بدورها بعد الرسول بستة أشهر ودفنت سراً بناءاً على طلبها حتى لايشارك في تشييعها ودفنها باقي الصحابة لكسب رضاء الرب والنبي وشفاعة أبوها الرسول، حيث ماتت وهي غاضبة على أبو بكر.
كما استعرضت الكاتبة حقبة الخلافة الراشدة الأولى والثانية في عهدي أو بكر وعمر وروت تفاصيل وملابسات حكم عثمان ابن عفان ومسرحية انتخابه المتقنة الصنع والإعداد ووقائع الفتنة الكبرى حيث كانت السلطة بيد التيار الموالي للخلفاء الثلاثة الأوائل قبل أن تطبق عليهم تسمية أهل السنة . ولكن بعد مقتل الخليفة الرابع عثمان آلت الخلافة بالإجماع في أول وهلة للإمام علي سنة 656 ، ولكن سرعان ما تمرد عليه عدد من الصحابة لاسيما الأثرياء منهم والطامعين بالخلافة إلى جانب زوجة الرسول عائشة بنت أبو بكر التي تكره علياً منذ فترة حادثة الأفك التي اتهمت فيها عائشة بالزنا ولكن بدون دليل إلى أن ثبتت براءتها بآية قرآنية وكان علي بن أبي طالب قد اقترح على النبي محمد تطليقها فلم تغفر له ذلك الموقف وظلت تحقد عليه إلى ’خر حياتها. فكانت أول من خرج على خلافة الإمام علي عسكريا بجيش جرار وخاضت ضده معركة دامية سميت بمعركة الجمل لأنها كانت تركب جملاً وتشجع المقاتلين على محاربة جيش الإمام العلي الذي يوجد من بين قادته أخوها محمد أبو بكر. وكان معها صحابة كبار من العشرة المبشرين بالجنة كطلحة والزبير اللذين قتلا في المعركة. ثم تمرد معاوية ابن أبي سفيان على خلافة علي وخاض ضده معركة صفين التي كاد أن يخسرها لولا لجوئه لخدعة رفع المصاحف على أسنة الرماح واقتراح خدعة التحكيم. ثم تمرد جزء من جيش الأمام على علي بن أب طالب لقبوله بالتحكيم رغم شرعية حكمه وخلافته وسموا بالخوارج الذين حاربوا الإمام علي في معركة النهروان وتمكن أحدهم من اغتيال الخليفة الراشدي الرابع سنة 661 فانتهى عهد الخلافة الراشدة وبدأ عهد الحكم الملكي الوراثي الذي أرسى دعائمه معاوية ابن أبي سفيان في الشام وكانت بداية العصر الأموي الذي دام قرناً كاملاً.
فبعد اغتيال الخليفة الرابع الإمام علي كان من الطبيعي، في نظر أتباعه، أن يخلفه ابنه الكبير الإمام الحسن إلا أن هذا الأخير لم يجد معه قوة كافية لخوض مواجهة عسكرية مع معاوية والي الشام الطامع بالخلافة فتنازل له عنها بشروط لم يحترمها ولم يطبقها الخليفة الجديد الذي حول الخلافة إلى ملكية وراثية وظل يلعن الإمام علي من على منابر المسلمين في كل أرجاء الدولة الإسلامية. مات الإمام علي ولم يورث لعائلته سوى 700 درهم بينما كانت الملايين في بيت مال المسلمين تحت تصرف مؤسس الدولة الأموية معاوية ابن أبي سفيان ينفقها كما يشاء وكيفما يشاء. ولم يكتف معاوية بتنازل الحسن عن الخلافة بل اغتاله بالسم بواسطة إحدى زوجات الحسن بعد أن وعدها بتزويجها من إبنه الخليفة القادم يزيد. بيد أنه لم يف بوعده كعادته واغتال الزوجة المجرمة لتفادي خطورتها عليه وعلى إبنه. وحتى بعد وفاة الحسن بالسم أسيء إليه وعارضت عائشة زوجة جده دفنه بالقرب من قبر جده وأعلنت معارضتها علناً على ظهر جمل بحجة أن الأرض هي ملكية خاصة لها وصوب حراسها السهام والنبال ضد نعش الحسن أثناء تشييعه وقبل دفنه، كما سبق لها أن حاربت والده علي من على ظهر الجمل وتسببت بمقتل آلاف المسلمين لذلك فإن لدى الشيعة مرارة خاصة من تصرفات عائشة ولايضعها أحد منهم في قلبه ولايحبها أحداً منهم. وهذه ليست سوى إحدى مظاهر سوء المعاملة التي لاقاها أهل بيت النبوة. وبقي أمام الخصوم والأعداء هدف أخير هو التخلص من عميد العائلة الهاشمية الباقي وهو الإمام الحسين وتصفيته جسدياً أو إرغامه على الانصياع والاستسلام والمبايعة ليزيد وهو ذليل وخانع. وهذا الكلام ورد نصاً كما هو في كتاب الباحثة الفرنسية التي واصلت رسم اللوحة السياسية ـ التاريخية لجذور الصراع العسكري المسلح بين شيعة الإمام علي وعموم أهل السنة الذين التفوا حول الخلافة الأموية الجديدة وأيدوها. وهكذا تم تمهيد الطريق أمام وصول يزيد إلى عرش الخلافة بعد وفاة والده معاوية. وأول هدف قرر يزيد تحقيقه هو التخلص من حفيد النبي محمد الإمام الحسين ابن علي رغم كثرة أنصاره ومؤيديه في جميع الحواضر الإسلامية عدا دمشق. خرج الحسين من المدينة بعد أن أصبح وجوده فيها يشكل خطراً على حياته ولجأ إلى الكوفة لكثرة الأنصار المؤيدين له والمعارضين للحكم الأموي، بعد أن تلقى منهم الرسائل التي تدعوه للقدوم ليكونوا مجندين تحت إمرته وقيادته. وقد وعد المسلمون في العراق بتجهيز 120 ألف مقاتل لنصرته وإطاحة مغتصب الخلافة المرتد وإبن الطلقاء يزيد إبن معاوية. بيد أن يزيد تمكن بالحيلة والمال وشراء الذمم وقتل وتصفية زعماء المتمردين أو سجنهم قبل وصول الحسين إلى الكوفة، من تفتيت التمرد وتطويق الحسين وعزله في موقع يسمى كربلاء بالقرب من الكوفة وحال بينه وبين مياه نهر الفرات وبذلك غدا العطش أحد أبطال التراجيديا الكربلائية ، كما قطع عليه طريق العودة بقوات عسكرية جرارة ، وذلك في العشرة الأولى من شهر محرم حيث استشهد الإمام وأفراد عائلته الذكور وأتباعه المخلصين خلالها من اليوم الأول حتى اليوم العاشر من محرم الذي سقط فيه الحسين نفسه شهيداً ومضرجاً بدمه. وهي المأساة التي يحيي ذكراها الشيعة في العالم في كل عام إلى يومنا هذا ويوزعون الماء السبيل مجاناً في هذه المناسبة منذ قرون. وهي الطقوس التي منعها صدام حسين لسنوات طويلة وقصف قبر الحسين بالصواريخ أثناء الانتفاضة في آذار 1991 بعد حرب الكويت وقبل سقوط نظامه عام 2003 .
ثم تمضي الكاتبة في عرض تفاصيل واقعة كربلاء بقلم موضوعي محايد ينشد الحقيقة وكيف تحدت السيدة زينب الخليفة يزيد في مقر خلافته في الشام التي توفيت فيها ودفنت هناك حيث رمم الإيرانيون قبرها ووسعوا مزارها ليغدو قبلة للزوار الشيعة من جميع أنحاء العالم. واعتبرت المؤلفة أن مأساة كربلاء هي الفعل المؤسس للتشيع المعاصر والمهد الدامي للثيولوجيا الشيعية. حيث وقع ذلك الحدث بعد أقل من نصف قرن من وفاة الرسول . ومنذ ذلك التاريخ انشطر الإسلام إلى شطرين متخاصمين وغير متكافئين بالعدد .
الجرح لم يلتئم بعد فالشيعة يعتبرون أن دم الحسين قد أريق من أجل بقاء رسالة الإسلام حية بينما يعتبره السنة حدثاً سياسياً ليس إلا دفع فيه الحسين ثمن تمرده على الخليفة .
وتحت عنوان فرعي هو :" القرآن الرهينة" تقرر مارتين غوزلان في كتابها أن الحرب الأهلية داخل الإسلام أخذت نص القرآن رهينة لديها. وأبحرت في قضية جمع نصوص القرآن وما رافقها من مشاكل وتحديات وتفسيرات ومشاكل عويصة حيث كانت توجد عدة صيغ وقراءات لسور القرآن المبعثرة في الصدور والذاكرة الجمعية وعلى العظام والجلود وسعف النخيل . وتذكر أن أتباع علي ابن أبي طالب أوجدوا في ذلك الوقت آيات يوصي فيها النبي بتسليم المهمة لابن عمه وصهره علي وقد أثارت تلك الحادثة الخليفة الثالث عثمان ابن عفان الذي شعر ، لأسباب استراتيجية ، بضرورة فرض صيغة موحدة للكتاب في كل أمصار العالم الإسلامي. فقد شكل الخليفة الثالث لجنة من الصحابة لجمع القرآن ومواجهة هذا التحدي والرهان الكبير مما أثار جدالاً واسعاً وخلافات كبيرة فالمعركة بشأن القرآن هي معركة الشرعية . وكان أتباع أهل البيت يبحثون في نصوص القرآن قبل جمعه سنة 650 ميلادية عن براهين ومبررات شرعية لمطالبهم مما يتيح لهم التنظير لإيديولوجيتهم فأقل حركة أو فاصلة أو نقطة أو سياق يمكن أن يغير المعنى المراد كلياً. وكانت طرق التدوين والكتابة في ذلك الوقت توفر مثل هذه الفرصة. أكد بعض الشيعة في ذلك الزمن أن الصيغة التي اختارها الخليفة الثالث كانت ناقصة ومحرفة، وهي صيغة الصحابي زيد واستبعاد بقية الصيغ والنسخ كنسخة إبن مسعود ونسخة علي ابن أبي طالب. وقالت تلك الأطروحة إن علي ابن أبي طالب وحده ، الوريث والمتربي في كنه النبي وأقرب المقربين له ، وهو الذي يمتلك النصوص الكاملة للكتاب المنزل حسب تصريح الباحث الإيراني المعاصر محمد علي أمير معزي ومعه الفيلسوف والمستشرق كريستيان جومبيه اللذين كرسا سنوات طويلة من البحث والتقصي وسط تلك الغابة من النصوص والمصادر الشيعية القديمة. فالقرآن الحقيقي حسب هذين الباحثين هو أكبر ثلاث مرات من حجمه الحالي وأن الصيغة الأصلية الطويلة للقرآن كانت لدى علي ابن أبي طالب والذي أخفاها وانتقلت سراً من إمام إلى آخر إلى أن وصلت إلى الإمام الثاني عشر الذي غاب عن الوجود واختفى معه إلى ألأبد النص الكامل للقرآن والمسؤول عن هذه الإشكالية وحيثياتها هم غالبية أصحاب النبي والشخصيات المؤثرة في قريش وعلى رأسهم أبو بكر وعمر الذين رفضوا قبول كافة النصوص الأصلية ووافقوا على الاستقطاعات للأجزاء الأهم من تلك النصوص التي كان يتضمنها القرآن الأصلي إلا أن أئمة الشيعة المتأخرين أمروا بالتغاضي عنها وعدم ذكرها بل والتخلي عنها والقبول بالصيغة الرسمية للقرآن التي فرضها الخليفة الثالث وأحرق غيرها من الصيغ والنسخ التي جمعها قراء آخرين كابن مسعود وغيره واختيرت صيغة زيد، وكان ذلك القرار الشيعي قد جاء خوفاً من ردة فعل السنة واتهامهم الشيعة بالزندقة والهرطقة والانحراف والخروج عن الدين كما فعل اليهود والنصارى الذين حرفوا كتبهم المقدسة. فعلى الصعيد الأيديولوجي تستند هذه النظرية إلى قول النبي بتحريف نصوص الأنبياء السابقين له على يد أتباعهم ومريديهم وينطبق ذلك على التوراة والإنجيل. وقد تنازل الشيعة عن معتقد تحريف القرآن كجزء من أصولهم وعقائدهم باسم البراغماتية والرغبة في التعايش النسبي المشترك مع باقي المسلمين لاسيما في القرن العاشر الميلادي إبان الحكم البويهي الشيعي في بغداد والحكم الفاطمي الشيعي في مصر. حيث صدرت أوامر عليا بتبني النص المتداول حالياً كنص وحيد وكامل يرجع إليه المسلمون كافة شيعة وسنة، وبالتالي سيتركز الاختلاف في مجال التفسير والتأويل للنصوص الموجودة فيه. وقد اختلف المسلمون الأوائل في تسلسل السور والآيات، فوضعها بعضهم حسب تسلسل نزولها ، ومعها حواشي تشرح أسباب النزول، وبمن نزلت، ولماذا، وكان منها مصحف فاطمة ومصحف علي إلا أنها اختفت كلها ولم يعد يذكرها أحد. وكتعويض عن هذا الجانب المهم في الطرح الشيعي لجأ الشيعة إلى التأويل والقول بالمعنى الظاهر للقرآن والمعنى الباطن الذي أصبح أرفع غاية للمعرفة الإسلامية، واقتصر فهم واستيعاب وإدراك المعنى الخفي للنص القرآني مقتصراً على الأئمة الإثني عشر من نسل فاطمة المعصومين الذين خصهم الله بالعلم اللدني وسبر أغوار القرآن ومعرفة أسراره الخفية. فالحقيقة تكمن في القرآن الباطن مثلما كان الحال مع الكابلا والمتصوفة اليهود فيما يتعلق بالتوراة.
وفي ختام الفصل استشهدت الكاتبة بشروحات الفيلسوف والمستشرق الفرنسي المتخصص بالإسلام الشيعي الإيراني هنري كوربان الذي ختم بالقول :" على عكس الإسلام السني ، ذو الغالبية الساحقة في العالم الإسلامي، والذي يقول أن البشرية لاتنتظر شيئاً جديداً بعد الرسالة السماوية الأخيرة التي جاء بها النبي محمد، يترك الشيعة المستقبل مفتوحاً أمام العقيدة الإسلامية حتى بعد مجيء خاتم النبوة فهناك خاتم الولاية الذي يواصل مهمة بعث الرسالة. فالإمام علي قال بنفسه بعد معركة صفين ورفع المصاحف على أسنة الرماح:" إن القرآن حمال أوجه وهو نصوص خفية بين دفتي الغلاف، ليس فيه لسان ناطق ويحتاج للتأويل " وهي المهمة التي سيتصدى لها الشيعة ويتخصصون فيها نحو مهمة إنقاذية أو خلاصية جديدة ترتبت على ما آلت إليه أحوال المسلمين بعد فاجعة كربلاء الأمر الذي يرفضه السنة جملة وتفصيلاً.
يتبع
في المقدمة التمهيدية للكتاب ركزت الكاتبة على حادثة اغتيال الإعلامية العراقية الشهيدة أطوار بهجت وتطرقت إلى تفاصيل كثيرة ودقيقة عن ظروف عملية الاغتيال وأسبابها وخلفياتها في أعقاب تفجير مرقدي الإمامين العسكريين المقدسين الشيعيين في سامراء مسقط رأس الصحافية حيث انطلقت من هناك بوادر حرب أهلية – طائفية مدمرة وانفتح جرح لم يندمل منذ قرون وكاد أن يغرق العراق ببحر من الدماء. حيث صار يذبح كل فرد من أبناء الطائفتين يقع بين أيدي المسلحين من الطائفة الأخرى لا لشيء إلا لأنه يحمل اسم عمر أو عثمان، علي، أو حسين.. وتساءلت الكاتبة في مقدمتها إلى متى يعود تاريخ هذا الحقد الدفين بين الطائفتين ؟ ولماذا يتقاتل أبناء محمد فيما بينهم؟ ولو عاد نبي الإسلام إلى الحياة هل سيصبح سنياً أم شيعياً؟ ولماذا يدفع أبناء الإسلام الأبرياء ضريبة الدم هذه ولمصلحة من؟ خاصة وأن هذا الأمر لا يقتصر على العراق بل يوجد مثيلاً له في كل مكان يتواجد فيه شيعة وسنةن في لبنان والباكستان وأفغانستان والهند ولبنان ومصر والسعودية والبحرين والكويت وسوريا واليمن ودول الخليج الخ .. ولكن بدرجات متفاوتة.
ومنذ البداية وجهت الكاتبة أصابع الاتهام لهذا الصراع المذهبي الدامي إلى التنافس والتناحر الشديد بين قطبي الإسلام المعاصر وهما إيران والعربية السعودية وكيف يقوم الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة السابق في واشنطن بتمويل الجماعات السنية المسلحة لمواجهة المد الشيعي، ومسؤولية الأيديولوجية الوهابية المتشددة والمتعصبة في تأجيج الصراع منذ عقود طويلة. وتطرقت الكاتبة إلى أمثلة عديدة على ذلك في العراق ولبنان وسورية والباكستان وأفغانستان. وكانت هذه المقدمة غنية ومليئة بالأمثلة والأرقام والإحصائيات والأدلة والشواهد الحية المعاصرة والتاريخية.
الفصل الأول حمل عنوان: إلى متى يعود عهد هذه القطيعة؟
وبالتالي فالكاتبة تفترض مقدماً أن هناك قطيعة شبه نهائية قد حصلت في جسم العالم الإسلامي منذ بدايات الرسالة. وتذكر بالتحديد تاريخ يوم من أيام شهر حزيران سنة 632 وتقول أنه يوم الاثنين بينما يقول بعض الشيعة أنه يوم خميس وسمي بيوم الرزية. في ذلك اليوم اندلع الانشقاق والاختلاف عندما كان نبي الإسلام ومؤسس الرسالة وقائد الأمة يحتضر على فراش الموت في غرفة زوجته الشابة والمفضلة عائشة بنت أبي بكر الصديق، حسب رواية المؤرخ الإسلامي الطبري، الذي استندت إليه الكاتبة. وكانت شرارة السباق على الخلافة قد انطلقت بعنف وقوة وسط أجواء مشحونة وتوتر ينطوي على استعداد لحسم الموقف بقوة السلاح كما يلخصها الطبري في كتابه تاريخ الطبري ، وفي الجزء الثالث منه الذي كان بعنوان " محمد خاتم الأنبياء" المترجم إلى اللغة الفرنسية من قبل هيرمان زوتنبيرغ والمنشور سنة 1989. وكان مؤلف السيرة، الإمام الطبري قد كتب كتابه بعد مضي قرنين على ذلك الحدث أي وفاة الرسول. وحاول المؤرخ أن ينتزع من هنا وهناك نتفاً من الحقيقة الضائعة عن بداية هذا الدين السماوي التوحيدي الثالث وتسليط الضوء على اللحظات الأولى للمواجهة العنيف بين أتباع هذه الطائفة أو تلك للحصول على الخلافة.
وحتى لحظة الوفاة وأثناءها وبعدها كان الجو ينذر بالخطر وقد بقي جثمانه بعد الوفاة ثلاثة أيام قبل دفنه وهو أمر غريب في عرف ذلك الزمن وفي مناخ شديد الحرارة تتفسخ فيه الجثث بسرعة لذلك تدفن في نفس يوم الوفاة. لأن الجميع كان منشغلاً بأمر الخلافة عدا الإمام علي ابن أبي طالب ، صهر النبي وابن عمه، الذي كان يهتم بأمور التغسيل والتكفين والدفن وطقوس الصلاة على الميت بينما تتواجه القبائل والزعامات والشخصيات الطموحة، من أنصار ومهاجرين، في المدينة التي فقدت وحدتها وتآخيها وأخلاقها وقيمها التي أرساها مؤسس الإسلام، وحدد فيها كل شيء تقريباً ، من حقوق وواجبات على كل مسلم ومسلمة، ماعدا مسألة الخلافة كما يدعي جزء كبير من المسلمين الذين يعرفون اليوم بأبناء السنة والجماعة. بينما يؤكد خصومهم ومنافسيهم المعروفين اليوم بالشيعة أن النبي لم يرحل عن الحياة قبل حسم هذا الأمر الشديد الأهمية واختار علياً وصياً وخليفة له لاسيما في خطبة الوداع في غدير خم لهداية أتباعه والمؤمنين برسالته.
تطرقت الكاتبة في هذا الفصل إلى جميع الأحداث والتفاصيل التاريخية التي كانت سائدة في المدينة في ذلك الوقت العصيب خاصة فيما يتعلق بأهل البيت وأصحاب الكساء أي فاطمة وعلي والحسن والحسين، ولديهما الصغيرين آنذاك، الملتفين حول جثة الحامي الأول لهم والذي فقدوه والحزن يلفهم بينما كان الآخرون يجتمعون في سقيفة بني ساعدة للتفاوض بشأن مصير الإسلام ومستقبله وهم الصف الأول من الصحابة الطامحين للحصول على السلطة بأي ثمن حتى لو كان بقوة السلاح في أجواء تشبه ما يحدث اليوم إبان الانقلابات العسكرية. كان الأنصار يرفضون قيادة منفردة من المهاجرين تتسلط عليهم ويطالبون بقيادة ثنائية، أو شخص يختاروه هم، وكان الشخص الوحيد الذي يمكن أن يرضي قواعد الطرفين الشعبية هو علي ابن أبي طالب وهو أول من أسلم من الذكور وعمره عشر سنوات والذي قاتل واستبسل من أجل الإسلام في كل معاركه وتقلد سيف الرسول ذو الفقار .
ثم تناولت الكاتبة بأسلوب النقد والتعليق حيثيات ما جرى في السقيفة وكيف تمكن أبو بكر والد عائشة زوجة النبي ، وبمساعدة عمر ابن الخطاب، من فرض الأول كخليفة للمسلمين وأخذ البيعة له بالقوة وكيف حاول أبو سفيان عدو النبي اللدود في معسكر المشركين قبل فتح مكة أن يلعب على هذا الانقسام ويستغله ويكيد للإسلام عندما ذهب لعلي ليغريه بالتمرد على خلافة أبو بكر واستعداده لجمع جيش جرار من قبائل مكة تحت قيادة علي للإطاحة بسلطة أبو بكر وعمر إلا أن علي رفض التحالف مع أبو سفيان وفضل السكوت على مضض حماية للإسلام من الانشقاق والتفتت والتشرذم، وهو يعلم أن أبو سفيان لديه مصالح شخصية، ويكن كرهاً دفيناً للإسلام، وتتملكه رغبة في الانتقام، ولا يهمه صالح الإسلام والمسلمين. وعندما لم يجد أبو سفيان آذاناً صاغية لدى علي بن أي طالب تحالف مع أبو بكر وعمر بشرط أن تعطى ولاية الشام لأحد أبنائه وهكذا حصل. اتفق رهط من الصحابة على منع أهل البيت من الجمع بين النبوة والخلافة حتى لا يحدث تقليد يحدد الخلافة حصراً ببيت النبوة وسلالة النبي. اللغز الكبير الذي ظل بلا جواب هو لماذا صمت الإمام علي على حقه إذا كان مقتنعاً بأنه منصوص عليه من السماء؟ إن ذريعة المحافظة على الوحدة الإسلامية وتماسك الدين غير كافية لتبرير هذا الموقف المسالم، والدليل أن الإسلام انشق على نفسه، ووحدته تعرضت ومازالت تتعرض للخطر منذ 1500 عام. ثم استعرضت الكاتبة خطوات الخليفة الأول لترسيخ سلطته وشنه لحروب الردة يساعده في ذلك الرجل الثاني في النظام وهو عمر ابن الخطاب. ومحاولة الثاني إرغام العائلة العلوية على المبايعة ولو بالقوة واستغناء أبو بكر عنها طالما كانت فاطمة بنت النبي محمد على قيد الحياة، لاسيما بعد رفض الخليفة منحها إرثها من أبوها في منطقة فدك، وهي ملكية يهودية آلت إلى النبي بعد دحر اليهود كغنيمة أورثها لفاطمة لكن أبو بكر صادرها بحجة أن ألأنبياء لا يورثون أو هكذا ادعى أنه سمع النبي يقول وهو الوحيد الذي كان مصدرا لهذا الحديث الذي لم يسمعه غيره من الصحابة.
وهكذا برز مفهومان للإسلام، الأول يقف إلى جوار الفقراء والضعفاء والآخر يقف مع الأغنياء الارستقراطيين والأقوياء، الأول يتزعمه قائد قريب من الموت وزاهد في الدنيا ولا يسعى إلى السلطة بأي ثمن والثاني نقيضه تماماً. كانت سلطة الخلافة الأولى براغماتية واستفرادية أو إقصائية تحابي بعض الصحابة وتهمل البعض الآخر، وكانت دنيوية بحتة التف حولها القادة العسكريون وقادة الفتوحات والأغنياء من الصحابة وابتعد عنها المستضعفون والمثاليون من أمثال أبو ذر الغفاري وعمار ابن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد ابن الأسود وغيرهم. وقد كرست الكاتبة صفحات كثيرة للحديث عن فاطمة الزهراء ومكانتها عند النبي ودورها قبل وبعد وفاة النبي حيث توفيت بدورها بعد الرسول بستة أشهر ودفنت سراً بناءاً على طلبها حتى لايشارك في تشييعها ودفنها باقي الصحابة لكسب رضاء الرب والنبي وشفاعة أبوها الرسول، حيث ماتت وهي غاضبة على أبو بكر.
كما استعرضت الكاتبة حقبة الخلافة الراشدة الأولى والثانية في عهدي أو بكر وعمر وروت تفاصيل وملابسات حكم عثمان ابن عفان ومسرحية انتخابه المتقنة الصنع والإعداد ووقائع الفتنة الكبرى حيث كانت السلطة بيد التيار الموالي للخلفاء الثلاثة الأوائل قبل أن تطبق عليهم تسمية أهل السنة . ولكن بعد مقتل الخليفة الرابع عثمان آلت الخلافة بالإجماع في أول وهلة للإمام علي سنة 656 ، ولكن سرعان ما تمرد عليه عدد من الصحابة لاسيما الأثرياء منهم والطامعين بالخلافة إلى جانب زوجة الرسول عائشة بنت أبو بكر التي تكره علياً منذ فترة حادثة الأفك التي اتهمت فيها عائشة بالزنا ولكن بدون دليل إلى أن ثبتت براءتها بآية قرآنية وكان علي بن أبي طالب قد اقترح على النبي محمد تطليقها فلم تغفر له ذلك الموقف وظلت تحقد عليه إلى ’خر حياتها. فكانت أول من خرج على خلافة الإمام علي عسكريا بجيش جرار وخاضت ضده معركة دامية سميت بمعركة الجمل لأنها كانت تركب جملاً وتشجع المقاتلين على محاربة جيش الإمام العلي الذي يوجد من بين قادته أخوها محمد أبو بكر. وكان معها صحابة كبار من العشرة المبشرين بالجنة كطلحة والزبير اللذين قتلا في المعركة. ثم تمرد معاوية ابن أبي سفيان على خلافة علي وخاض ضده معركة صفين التي كاد أن يخسرها لولا لجوئه لخدعة رفع المصاحف على أسنة الرماح واقتراح خدعة التحكيم. ثم تمرد جزء من جيش الأمام على علي بن أب طالب لقبوله بالتحكيم رغم شرعية حكمه وخلافته وسموا بالخوارج الذين حاربوا الإمام علي في معركة النهروان وتمكن أحدهم من اغتيال الخليفة الراشدي الرابع سنة 661 فانتهى عهد الخلافة الراشدة وبدأ عهد الحكم الملكي الوراثي الذي أرسى دعائمه معاوية ابن أبي سفيان في الشام وكانت بداية العصر الأموي الذي دام قرناً كاملاً.
فبعد اغتيال الخليفة الرابع الإمام علي كان من الطبيعي، في نظر أتباعه، أن يخلفه ابنه الكبير الإمام الحسن إلا أن هذا الأخير لم يجد معه قوة كافية لخوض مواجهة عسكرية مع معاوية والي الشام الطامع بالخلافة فتنازل له عنها بشروط لم يحترمها ولم يطبقها الخليفة الجديد الذي حول الخلافة إلى ملكية وراثية وظل يلعن الإمام علي من على منابر المسلمين في كل أرجاء الدولة الإسلامية. مات الإمام علي ولم يورث لعائلته سوى 700 درهم بينما كانت الملايين في بيت مال المسلمين تحت تصرف مؤسس الدولة الأموية معاوية ابن أبي سفيان ينفقها كما يشاء وكيفما يشاء. ولم يكتف معاوية بتنازل الحسن عن الخلافة بل اغتاله بالسم بواسطة إحدى زوجات الحسن بعد أن وعدها بتزويجها من إبنه الخليفة القادم يزيد. بيد أنه لم يف بوعده كعادته واغتال الزوجة المجرمة لتفادي خطورتها عليه وعلى إبنه. وحتى بعد وفاة الحسن بالسم أسيء إليه وعارضت عائشة زوجة جده دفنه بالقرب من قبر جده وأعلنت معارضتها علناً على ظهر جمل بحجة أن الأرض هي ملكية خاصة لها وصوب حراسها السهام والنبال ضد نعش الحسن أثناء تشييعه وقبل دفنه، كما سبق لها أن حاربت والده علي من على ظهر الجمل وتسببت بمقتل آلاف المسلمين لذلك فإن لدى الشيعة مرارة خاصة من تصرفات عائشة ولايضعها أحد منهم في قلبه ولايحبها أحداً منهم. وهذه ليست سوى إحدى مظاهر سوء المعاملة التي لاقاها أهل بيت النبوة. وبقي أمام الخصوم والأعداء هدف أخير هو التخلص من عميد العائلة الهاشمية الباقي وهو الإمام الحسين وتصفيته جسدياً أو إرغامه على الانصياع والاستسلام والمبايعة ليزيد وهو ذليل وخانع. وهذا الكلام ورد نصاً كما هو في كتاب الباحثة الفرنسية التي واصلت رسم اللوحة السياسية ـ التاريخية لجذور الصراع العسكري المسلح بين شيعة الإمام علي وعموم أهل السنة الذين التفوا حول الخلافة الأموية الجديدة وأيدوها. وهكذا تم تمهيد الطريق أمام وصول يزيد إلى عرش الخلافة بعد وفاة والده معاوية. وأول هدف قرر يزيد تحقيقه هو التخلص من حفيد النبي محمد الإمام الحسين ابن علي رغم كثرة أنصاره ومؤيديه في جميع الحواضر الإسلامية عدا دمشق. خرج الحسين من المدينة بعد أن أصبح وجوده فيها يشكل خطراً على حياته ولجأ إلى الكوفة لكثرة الأنصار المؤيدين له والمعارضين للحكم الأموي، بعد أن تلقى منهم الرسائل التي تدعوه للقدوم ليكونوا مجندين تحت إمرته وقيادته. وقد وعد المسلمون في العراق بتجهيز 120 ألف مقاتل لنصرته وإطاحة مغتصب الخلافة المرتد وإبن الطلقاء يزيد إبن معاوية. بيد أن يزيد تمكن بالحيلة والمال وشراء الذمم وقتل وتصفية زعماء المتمردين أو سجنهم قبل وصول الحسين إلى الكوفة، من تفتيت التمرد وتطويق الحسين وعزله في موقع يسمى كربلاء بالقرب من الكوفة وحال بينه وبين مياه نهر الفرات وبذلك غدا العطش أحد أبطال التراجيديا الكربلائية ، كما قطع عليه طريق العودة بقوات عسكرية جرارة ، وذلك في العشرة الأولى من شهر محرم حيث استشهد الإمام وأفراد عائلته الذكور وأتباعه المخلصين خلالها من اليوم الأول حتى اليوم العاشر من محرم الذي سقط فيه الحسين نفسه شهيداً ومضرجاً بدمه. وهي المأساة التي يحيي ذكراها الشيعة في العالم في كل عام إلى يومنا هذا ويوزعون الماء السبيل مجاناً في هذه المناسبة منذ قرون. وهي الطقوس التي منعها صدام حسين لسنوات طويلة وقصف قبر الحسين بالصواريخ أثناء الانتفاضة في آذار 1991 بعد حرب الكويت وقبل سقوط نظامه عام 2003 .
ثم تمضي الكاتبة في عرض تفاصيل واقعة كربلاء بقلم موضوعي محايد ينشد الحقيقة وكيف تحدت السيدة زينب الخليفة يزيد في مقر خلافته في الشام التي توفيت فيها ودفنت هناك حيث رمم الإيرانيون قبرها ووسعوا مزارها ليغدو قبلة للزوار الشيعة من جميع أنحاء العالم. واعتبرت المؤلفة أن مأساة كربلاء هي الفعل المؤسس للتشيع المعاصر والمهد الدامي للثيولوجيا الشيعية. حيث وقع ذلك الحدث بعد أقل من نصف قرن من وفاة الرسول . ومنذ ذلك التاريخ انشطر الإسلام إلى شطرين متخاصمين وغير متكافئين بالعدد .
الجرح لم يلتئم بعد فالشيعة يعتبرون أن دم الحسين قد أريق من أجل بقاء رسالة الإسلام حية بينما يعتبره السنة حدثاً سياسياً ليس إلا دفع فيه الحسين ثمن تمرده على الخليفة .
وتحت عنوان فرعي هو :" القرآن الرهينة" تقرر مارتين غوزلان في كتابها أن الحرب الأهلية داخل الإسلام أخذت نص القرآن رهينة لديها. وأبحرت في قضية جمع نصوص القرآن وما رافقها من مشاكل وتحديات وتفسيرات ومشاكل عويصة حيث كانت توجد عدة صيغ وقراءات لسور القرآن المبعثرة في الصدور والذاكرة الجمعية وعلى العظام والجلود وسعف النخيل . وتذكر أن أتباع علي ابن أبي طالب أوجدوا في ذلك الوقت آيات يوصي فيها النبي بتسليم المهمة لابن عمه وصهره علي وقد أثارت تلك الحادثة الخليفة الثالث عثمان ابن عفان الذي شعر ، لأسباب استراتيجية ، بضرورة فرض صيغة موحدة للكتاب في كل أمصار العالم الإسلامي. فقد شكل الخليفة الثالث لجنة من الصحابة لجمع القرآن ومواجهة هذا التحدي والرهان الكبير مما أثار جدالاً واسعاً وخلافات كبيرة فالمعركة بشأن القرآن هي معركة الشرعية . وكان أتباع أهل البيت يبحثون في نصوص القرآن قبل جمعه سنة 650 ميلادية عن براهين ومبررات شرعية لمطالبهم مما يتيح لهم التنظير لإيديولوجيتهم فأقل حركة أو فاصلة أو نقطة أو سياق يمكن أن يغير المعنى المراد كلياً. وكانت طرق التدوين والكتابة في ذلك الوقت توفر مثل هذه الفرصة. أكد بعض الشيعة في ذلك الزمن أن الصيغة التي اختارها الخليفة الثالث كانت ناقصة ومحرفة، وهي صيغة الصحابي زيد واستبعاد بقية الصيغ والنسخ كنسخة إبن مسعود ونسخة علي ابن أبي طالب. وقالت تلك الأطروحة إن علي ابن أبي طالب وحده ، الوريث والمتربي في كنه النبي وأقرب المقربين له ، وهو الذي يمتلك النصوص الكاملة للكتاب المنزل حسب تصريح الباحث الإيراني المعاصر محمد علي أمير معزي ومعه الفيلسوف والمستشرق كريستيان جومبيه اللذين كرسا سنوات طويلة من البحث والتقصي وسط تلك الغابة من النصوص والمصادر الشيعية القديمة. فالقرآن الحقيقي حسب هذين الباحثين هو أكبر ثلاث مرات من حجمه الحالي وأن الصيغة الأصلية الطويلة للقرآن كانت لدى علي ابن أبي طالب والذي أخفاها وانتقلت سراً من إمام إلى آخر إلى أن وصلت إلى الإمام الثاني عشر الذي غاب عن الوجود واختفى معه إلى ألأبد النص الكامل للقرآن والمسؤول عن هذه الإشكالية وحيثياتها هم غالبية أصحاب النبي والشخصيات المؤثرة في قريش وعلى رأسهم أبو بكر وعمر الذين رفضوا قبول كافة النصوص الأصلية ووافقوا على الاستقطاعات للأجزاء الأهم من تلك النصوص التي كان يتضمنها القرآن الأصلي إلا أن أئمة الشيعة المتأخرين أمروا بالتغاضي عنها وعدم ذكرها بل والتخلي عنها والقبول بالصيغة الرسمية للقرآن التي فرضها الخليفة الثالث وأحرق غيرها من الصيغ والنسخ التي جمعها قراء آخرين كابن مسعود وغيره واختيرت صيغة زيد، وكان ذلك القرار الشيعي قد جاء خوفاً من ردة فعل السنة واتهامهم الشيعة بالزندقة والهرطقة والانحراف والخروج عن الدين كما فعل اليهود والنصارى الذين حرفوا كتبهم المقدسة. فعلى الصعيد الأيديولوجي تستند هذه النظرية إلى قول النبي بتحريف نصوص الأنبياء السابقين له على يد أتباعهم ومريديهم وينطبق ذلك على التوراة والإنجيل. وقد تنازل الشيعة عن معتقد تحريف القرآن كجزء من أصولهم وعقائدهم باسم البراغماتية والرغبة في التعايش النسبي المشترك مع باقي المسلمين لاسيما في القرن العاشر الميلادي إبان الحكم البويهي الشيعي في بغداد والحكم الفاطمي الشيعي في مصر. حيث صدرت أوامر عليا بتبني النص المتداول حالياً كنص وحيد وكامل يرجع إليه المسلمون كافة شيعة وسنة، وبالتالي سيتركز الاختلاف في مجال التفسير والتأويل للنصوص الموجودة فيه. وقد اختلف المسلمون الأوائل في تسلسل السور والآيات، فوضعها بعضهم حسب تسلسل نزولها ، ومعها حواشي تشرح أسباب النزول، وبمن نزلت، ولماذا، وكان منها مصحف فاطمة ومصحف علي إلا أنها اختفت كلها ولم يعد يذكرها أحد. وكتعويض عن هذا الجانب المهم في الطرح الشيعي لجأ الشيعة إلى التأويل والقول بالمعنى الظاهر للقرآن والمعنى الباطن الذي أصبح أرفع غاية للمعرفة الإسلامية، واقتصر فهم واستيعاب وإدراك المعنى الخفي للنص القرآني مقتصراً على الأئمة الإثني عشر من نسل فاطمة المعصومين الذين خصهم الله بالعلم اللدني وسبر أغوار القرآن ومعرفة أسراره الخفية. فالحقيقة تكمن في القرآن الباطن مثلما كان الحال مع الكابلا والمتصوفة اليهود فيما يتعلق بالتوراة.
وفي ختام الفصل استشهدت الكاتبة بشروحات الفيلسوف والمستشرق الفرنسي المتخصص بالإسلام الشيعي الإيراني هنري كوربان الذي ختم بالقول :" على عكس الإسلام السني ، ذو الغالبية الساحقة في العالم الإسلامي، والذي يقول أن البشرية لاتنتظر شيئاً جديداً بعد الرسالة السماوية الأخيرة التي جاء بها النبي محمد، يترك الشيعة المستقبل مفتوحاً أمام العقيدة الإسلامية حتى بعد مجيء خاتم النبوة فهناك خاتم الولاية الذي يواصل مهمة بعث الرسالة. فالإمام علي قال بنفسه بعد معركة صفين ورفع المصاحف على أسنة الرماح:" إن القرآن حمال أوجه وهو نصوص خفية بين دفتي الغلاف، ليس فيه لسان ناطق ويحتاج للتأويل " وهي المهمة التي سيتصدى لها الشيعة ويتخصصون فيها نحو مهمة إنقاذية أو خلاصية جديدة ترتبت على ما آلت إليه أحوال المسلمين بعد فاجعة كربلاء الأمر الذي يرفضه السنة جملة وتفصيلاً.
يتبع
0 comments: