لم تأتي أميركا للعراق لتبقى فيه!


لم تأتي أميركا للعراق لتبقى فيه!
حميد الشاكر



بين الفينة والاخرى يطرح هذا السؤال على منضدة النقاش العراقية: هل فعلا ان الولايات المتحدة جاءت واحتلت العراق وانفقت المليارات على حربها هذه لتخرج في نهاية المطاف خالية الوفاض من كل شيئ ولتسلم فيما بعد العراق للعراقيين ليديروه كما تراه اجندتهم الوطنية العراقية فحسب؟.
أم ان الولايات المتحدة، عندما قررت المجيئ للعراق، واحتلاله كان في اجندتها السياسية انهاسوف لن تخرج من العراق ابداحتى وان تظاهرت في ذالك عسكريا لتسحب من هنا مئات المزنجرات المدرعة ومن هناك عشرات من الجند، الا ان بقائها سيتبلور الى شكل اخر مخابراتي ودبلوماسي وسياسي واقتصادي .... من خلال هيمنتها الخفية؟.
في معرض الجواب على هذا السؤال هناك رؤيتان سياسيتان في الشارع العراقي:
الاولى:وهي الرؤية التقليدية التي ترى انه من المستحيل وليس من الممكن ابدا ان نتصور، او نعتقد ان الولايات المتحدة، وبعد كل هذه الجهود، والتضحيات والانفاقات المليارية من خزينتها الفيدرالية، ستعود من جديد، لتسحب قطاعاتها العسكرية الجرارةولتخرج من العراق عسكريا وسياسياامنيا واقتصاديا ومخابراتيا كما دخلت هذا البلد فمثل هذا التصور لا ينسجم وليس هو مطلقا مع ماعرف عن الادارة الامريكية وكيفية ونمطية تفكيرها الاستعمارية الجديدة!!.
الثانية:وهي الرؤية التي ترى ان قرار بقاء او خروج القوات الامريكية وبما في ذالك انحصارالهيمنة الامريكيةعن العراق وسيادته وقراراته مرتهن الى معادلتين وليس معادلةالارادةالامريكية فحسب وهذه المعادلتين اهمها معادلةارادة العراقيين انفسهم بحيث ان ارادة العراقيين داخلة بالفعل في معادلة خروج او بقاء الهيمنة الامريكية على هذا البلدوفي حال اصرّ العراقيون على خروج هذه القوات وعملوا على تذويب الهيمنة الامريكية عن وطنهم، وسعوا لاستعادة سيادتهم، وقرارهم السياسي والوطني المستقل، فعندئذ سيسقط في يد الامريكيين انفسهم، وليجدوا انفسهم مضطرين، للانسحاب من هذا البلد، ورفع يدهم الهيمنية على ادارة هذا الشعب والعكس صحيح ايضا، اذا ما قرر العراقيون بقاء هذه القوات العسكرية والتنازل عن سيادتهم وقرارهم الوطني المستقل، وبهذا نفهم ان هناك ارادتين في جواب سؤال: هل سيخرج الامريكان من العراق؟.
أم انهم سيبقون في هذا البلد؟.
والحقيقة ان كلا السؤال والجواب الذي طرحناه انفا حول بقاء، او خروج قوات الاحتلال من العراق، وبغض النظر عن الاتفاقيات، والمعاهدات التي ابرمت بين العراقيين ممثلين بحكومتهم المنتخبة وبين القوات الامريكية ممثلة بالبنتاكون او وزارة الدفاع الامريكيةوان الواقع يشير الى خروج هذه القوات العسكرية المحتلة وان العراقيين يستعدون بالفعل الى ادارة بلدهم مابعد انسحاب قوات الاحتلال ... أقول بغض النظر عن ذالك كله، لكن يبقى هناك من يرى سياسيا ان الموضوعة الامريكية العراقية غير مرتبطة، بشكل جذري باشكالية قوات الاحتلال المسلحة في بقاءها وخروجها، بقدر ارتباطها ببقاء وخروج الامريكان بشكل كلي وشامل واستخباراتي ومعنوي اكثر منه ماديا وملموسا على الارض!!.
بمعنى اخر هناك من يتجه برؤيته للموضوع العراقي الامريكي ليس على اساس اشكاليته في هل ستنسحب قوات الاحتلال الامريكية من العراق او لاتنسحب، بل السؤال المطروح في هذه الزاوية هوحتى وان انسحبت الولايات المتحدة عسكريا من العراق بالفعل، لكن هذا لايعني الخروح الامريكي المعنوي بالفعل من العراق واخلائه بالكامل لاهله ليديروه كيفما تتطلب مصالحهم الوطنية؟.
فالولايات المتحدة بالفعل جاءت الى هذا البلد لا لتغادره بهذه البساطة، بل لتبقى به الى مالانهايةوخير دليل على ذالك بناء الامريكيون انفسهم لأكبر سفارة في الشرق الاوسط في العراق، ولو كان الامريكيون جاؤا للعراق ليخرجوا منه لما كانت هذه السفارة وبنائها بهذه العظمة؟.
وعلى هذا الاساس يبني اصحاب هذا الرأي رؤيتهم السياسية القاطعة التي ترتكن على ان الولايات المتحدة باقية بهذا الشكل في العراق وانها لايمكن ان تترك بلدا وقاعدة عسكرية ومخابراتية، وامنية ولوجستية مثل العراق وبموقعه الجغرافي الذي لايعوض!.
والواقع ان هذه الرؤية ايضامن وجهة نظري الخاصة لاتستند على رؤية سياسية متينة بقدراستنادها على رؤية في مقدماتها عوار كبير فوصلت الى نتائج خاطئة ولاتستند على قراءة واقعية لموضوعة الاسباب الحقيقية لمجيئ قوى الاحتلال الامريكي للعراق ايضا!!.
ونعم لو كان المخطط الامريكي في غزو واحتلال العراق من وجهة نظرنا اردا ان يكون العراق منطلقا ومستقرا له لعقود قادمة وانه بالفعل درج من ضمن مخططه ان يكون العراق منصة استخبارية لتطلعاته الاستراتيجية، لكان بالفعل وافقنا على رؤية من يرى ان الولايات المتحدة جاءت للعراق لتبقى فيه ولتتخذ منه مستقرا لها ومنطلقا لكل مشاريعها المستقبلية في المنطقة!!.
لكن رؤيتنا تذهب عكس ذالك تماما في ادراك وفهم الاسباب التي دفعت الولايات المتحدة لغزو العراق، ومن وجهة نظرنا فان الولايات المتحدة الاميركية لم يكن سبب مجيئها ابدا للعراق هو البحث لهاعن موقع جغرافي استراتيجي يشرف على قلب منطقة الشرق الاوسط، ولا سبب مجيئ الولايات المتحدة، للعراق واحتلاله من ثم كانت لاسباب اقتصادية اوحتى امنية وغير ذالك ليقال ان الولايات المتحدة اتت للعراق بتخطيط مسبق لتحول العراق لمنصة استراتيجية او مخابراتية امنية لا غناءعنها للتلصص على الشرق الاوسط ومن ثم تحويله لبؤرةتجسس امريكية مهمة!!.
فكل ذالك لايشكل اسبابا سياسيةواقعية لدى المخطط الامريكي الذي وضع خارطة احتلال العراق بهذه الكيفية، التي استمرت من 2003م وحتى 2011م، وذالك للاسباب التالية:
اولا: لدى الولايات المتحدة من القواعد العسكرية والمخابراتية في دول الخليج واسرائيل وتركية ... ما يغنيها تماما عن اتخاذ العراق، البلد المضطرب كقاعدة عسكرية ومخابراتية تضيف شيئا حيويا لحسابات المخطط الامريكي، فهنا لدينا الخليج بقارته في الجزيرة العربية كلهاتشكل قلب الشرق الاوسط الصغير والكبير وهي بالكامل تحت تصرف وادارة المخطط الامريكي بالكامل!!.
ثانيا:العراق بلدقلق بالنسبة للادارة الامريكيةوالعراق كما يفهمه جيدا الامريكيون وحلفائهم الغربيون، ولاسيما البريطانيون، بلد مختلف تماما عن بلدان الخليج بشعوبهاوتركيبتها الثقافية والسياسية وللعراق والعراقيون ايضا تركيبتهم الفكرية والسياسية، التي لا تسمح مطلقا لتواجد امريكي، ومخابراتي استراتيجي واسع ومستمرومستقر مطلقاوالمخطط الامريكي قبل العراقيين يدرك هذه الحقيقة!!.
وعلى هذا الاساس الجغرافية العراقية حسب المخطط الاستعماري الامريكي اصلا لاتصلح ان تكون مستقرا طبيعا لعلاقة امريكية عراقية ترتقي عسكريا ومخابراتيا الى مستويات عالية الدقة، هذا وفضلا عن المخطط الامريكي ذاته لايثق بالعراق والعراقيين مطلقابهذا الشأن وتركيبة الشعب العراقي النفسية والفكرية والسياسية مختلفة في هذا الاطار عن باقي الشعوب الخليجية المدجنة استعماريا!!.
ثالثا:تصرفات الادارة الامريكية ومنذ اول يوم لاحتلال العراق وحتى اللحظة لا تنم عن اي مخططات امريكية حقيقة، لمدّ الجسور الوثيقة سياسيا وامنيا واقتصاديا وحتى مخابراتيابين الولايات المتحدة وبين العراقيين وحتى بعدمرورثمان سنوات على احتلال العراق من قبل الامريكيين فلم نشهد ان بوادر او قرائن تشير الى ان الجانب الامريكي بالفعل لديه النية اوهو جاد باتخاذه من العراق والعراقيين حلفاء استرتيجيين له في المنطقة على المدى البعيد او القريب!!.
فلا شارعا (مثلا) بُني بايد امريكية ولا مساعدة سياسية او اقتصادية او امنية قدمت من قبل هذا المحتل، للشعب العراقي، ولا كهرباء دعمت، ولا نفطاوابارا على الاقل اصلحت، ولاشركات امريكية قدمت اي مساعدات اعمار، او بناء او ترميم، ولاملفاة امنية قدمت للعراقيين ..... الخ!!.
وهذا ان دل على شيئ، انما يدل على ان المخطط الامريكي، ليس في وارد ان يتخذ من العراق ولا من العراقيين مستقرا مستقبليا حقيقيا وواقعيا له ولتطلعاته المفروضة والا لو كان المخطط الامريكي وكما يعتقده البعض يريد تحويل العراق الى ثكنة مخابراتية امريكية امنه له ولجنوده،لكان على الاقل ساهم ولو في بناء هذا البلد صوريا، او قدم لهم المساعدات التكنلوجية التي تفتح له قلوب وعقول العراقيين قبل جيوبهم ليكونوا على استعداد، لقبوله كسيد يقدم الرفاهية للشعب العراقي وليقبض من ثم الولاء والتبعية من قبل الشعب العراقي وحكومته!!.
بل العكس تماما هو ماقام به المحتل الامريكي لهذا البلد، فكان العزوف عن اي مساعدة للعراقيين،والمساهمة بتدمير البنى التحتية للعراق والرقص على اشلاء هذا التدمير امريكيا ميزة بارزة امام الشعب والحكومة في العراق!!.
بل الانكى والامر من ذالك عندما اعطى المحتل الامريكي اضوائه الخضراء كلها وايضا امام الشعب العراقي وحكومته لحليفه السعودي والخليجي والعربي لارسال كل وساخاتهم البشرية من انتحاريين قتلة لتدميرماتبقى من العراق قائما من بشر وحجر، وحتى استقرار وامن العراق والعراقيين لم يسلم من الرعاية الامريكية ومضافا طبعا حياكةالمؤامرات على هذه الامةلتحطيم ماتبقى للعراقيين من العراق ..الخ وهذا كله لايصنعه محتل عاقل يريد ان يتخذمن العراق والعراقيين منصةله واستقرارا لمخابراته ومخططاته وسفاراته.... كي يكون العراق انطلاقا لمشاريعه الشرق اوسطية الكبرى!!.
ان هذه النقطة الاخيرة بالذات هي مايمكنها ان تجيب على الاسباب الحقيقية التي دفعت المخطط الامريكي لغزو العراق واحتلاله!!.
وهي نفس النقطة التي ستعطينا رؤية سياسية مستقبلية لواقع العلاقة الامريكية العراقية، وهل هي علاقة احتلال وتناغم بين العراقيين واميركا، ام انها علاقة تناقض وتناشز واضطراب وتصادم؟.
نعم اذا نظرناالى اسباب غزو الولايات المتحدة الامريكية للعراق على اساس انها اسباب لم تنطلق من رؤية تقليدية لعملية احتلال واستعمار بل انها اسباب حاولت ان تجعل من العراق محرقةومنصةلضرب استقرارالمنطقة وقاعدة لبث اكبر كمية ممكنة من صناعة الاحتقانات الطائفية والقومية للمنطقة وللشرق الاوسط فحسب عندئذ يمكننا ان ندرك هل جاءت الولايات المتحدة للعراق لتبقى فيه؟.
أم انها جاءت للعراق، واحتلته كي تحوله ممرا لصناعة محرقة تحرق الاخضر واليابس في الشرق الاوسط لرسم عالم جديد على انقاض العراق والمنطقة!!.
من وجهةنظري ان الولايات المتحدة لم تأتي للعراق لاحتلاله او استعماره تقليديا كما كان تاريخيايحصل في الاحتلال البريطاني للعراق اوالاحتلال الفرنسي لسوريا، وانما المبتكر في المخطط الامريكي هو كيفية احتلال العراق وتحويله الى تنور يحرق نفسه اولا ومن ثم ليرمي بالسنة لهبه الى الخارج ليحرق ماتبقى من اقليم عربي واسلامي محيط به وهذا بالتحديد ما يفسر لنا: لماذا لم ترغب او تساعد الولايات المتحدة العراق والعراقيين باي شكل من الاشكال السياسي او الامنية او العسكرية او الاقتصادية او حتى الاجتماعية، بل وساهمت الولايات المتحدة بنشرالفوضى داخل العراق ودعمت حركات تطرف وارهاب وهابية وسنية متمردة وبعثيةلاثارة الفتنة في العراق وفي المنطقةوهذا ايضا ماسوف يشرح لنا ويفسر ويبين لماذا نحن نذهب الى رؤية ان الولايات المتحدة اتت للعراق لتبقى بل اتت له لتحوله الى محرقة قبل ان تستنفد كل اغراضها منه لترفسه برجلها الى الفقر والدمار والضياع والتفتت والتقسيم!!.
نعم ستخرج الولايات المتحدة من العراق كما دخلته، ونرجو ان يكون العراقيون واعون لخطورةانتقام خروج الولايات المتحدة من هذا البلد بعد ان فشل مخططها في تحويل العراق الى محرقة ليأخذو حذرهم مما سوف تتركه الولايات المتحدة من دمار للعراق وشعبه فهذا المحتل هو ليس كالمحتل البريطاني القديم الذي اتى ليبقى وليستعمر ويعمر لكسب عقول وقلوب العراقيين قبل ان يكسب هو ولائهم وتبعيتهم!!.
بل انه محتل من نوع جديد وبنمطية فكرية مختلفةجاء ليخرج بعد خراب البصرة وليترك العراق والعراقيين اشلاء ممزقة تترحم على الايام السوداء قبل معرفتهم باميركا!!.
ان الهدف من احتلال العراق لم يكن استعمار العراق ليقال لنا ان اميركا احتلت العراق لتستعمره وتبقى فيه الى مالانهاية، وانما كان الهدف من احتلال العراق نشرفوضى في الشرق الاوسط كله، بدأت بالعراق، كوسيلة لنشر هذه الفوضى للوصول الى الهدف الاكبر وهو قيام شرق اوسط جديد ومختلف عن ماهو قائم الان، ونعم ربما فشل المخطط الامريكي لكن بقي العراق مع الاسف في رؤية وتصور المخطط الامريكي المحتل مجرد وسيلة وفأس تضرب في جدار الشرق الاوسط القائم لتهديمه او فتح كوة في داخله لينهار من الاساس!!.
واليوم بعد ان وصل مخطط احتلال العراق كله الى افقه المسدود فلا شك لدينا ان الاحتلال الامريكي ليس بحاجة للعراق في شيئ سوى مغادرته!!.

0 comments:

Blog Tips
Blog Tips
2009@ سوالف عراقية

اشترك معنا في سوالف عراقية