قل لي: كم تقرأ؟ أقلْ لك: كم تساوي!





إنّ عملية النضوج الفكري والتقدّم العقلي هو ما يكوّن شخصيّة الفرد بكلّ أبعادها المختلفة، وهذه العمليّة لا يحصل عليها الإنسان إلاّ بالقراءة المتنوعة التي هي الوسيلة الأولى للرقيّ الى معالي مدارج الكمال الإنساني. 

وليست الوسائل التثقيفية الأخرى كالقنوات الفضائية، والإنترنيت، والمنابر الدينية، والمنتديات الحوارية الأدبية والعلمية، إلاّ نتاج القراءة الجادّة والمطالعة الموضوعية لمجالات المعرفة، وهذا ما نشهده واقعاً عمليّاً في مناحي الحياة اليومية. 

ونرى الذين يدأبون على القراءة جاعلين منها زادهم الروحي والعقلي الذي يهتمون به أكثر من اهتمامهم بزادهم المادي نوعاً ونقاءً هم أكثر الناس اتّزاناً وأحسنهم تنظيماً وأفضلهم التزاماً، وأكثرهم عطاءً، وأوفرهم حظوظاً، على عكس الذين لا يقيمون وزناً للقراءة والكسب المعرفي، تراهم يركنون الى الكسل والملل والغفلة عمّا يجري من حولهم، ويعانون من تعطيل الذهن إلاّ فيما تعوّدوا عليه، وتراهم إمّعةً ينقادون مع كلّ ناعق، ويقلّدون الغير بلا دراية لما ينفعهم في دنياهم وأخراهم. 

وهؤلاء بعزوفهم عن القراءة وعدم مبالاتهم لحاجتهم الماسّة الى الثقافة المعرفية، والتيه الذي هم فيه، والتخبّط الذي يعيشونه يشكّلون خطراً فادحاً على مجتمعاتنا، وهم السبب الرئيس لخمول واضمحلال قدرات الوطن الإنتاجية، واحتضار طاقاته الإبداعية، وهو ما يُنذر بخطر أكبر وأفدح، لأننا نعيش في عالم التحدّيات في كلّ الصُعُد، مما يحتاج منّا أن نُطلق كلّ طاقاتنا، ونستنفذ كلّ قوانا من أجل أن نتقدّم و نرقى، وعلى الأقلّ أن نتحصّن ونتوقّى.  

ويزداد الإلحاح على القراءة والمطالعة في أيامنا هذه التي نعيش فيها سهولة الحصول على المعلومة، مع توفّرها بطرق متعدّدة قياساً بالأيام الغابرة التي كان يدفع الإنسان كدّ يومه من أجل الحصول على زيت يضيء به ظلام ليلته، ولو أخذنا الشيخ المجلسي مثالاً من تاريخنا القريب وهو الذي أفنى حياته كلّها في خدمة المذهب، فإنّ كتاب بحار الأنوار الذي يُعدّ أوسع مجموعة حديثيّة عند الإمامية، والذي حوى أصنافاً من درر الأخبار، مبوّبة تبويباً فريداً، بلغت أكثر من 2500 باباً وفي 124 مجلّداً ألّفه العلاّمة المجلسي في عصر لم تتهيّأ فيه لوازم القراءة والكتابة بشكلها اليوم، ولم يكن الوصول فيه الى المصادر أمراً ميسوراً، كما هو الحال في أيامنا هذه، ولقد صدرت منه (قُدّس سرّه) غير البحار عشرات الموسوعات الكبيرة والمصنفات الرائعة وكانت له مهامّ أخرى كمشيخة الإسلام ومباشرة المرافعات وطيّ الدعاوي وحضور الجماعات والاهتمام بباقي العبادات. 

وإنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) يقول: «قيمة كلّ امرء ما يحسنه» فلكلّ حسنة اعتبار في نفوس المعتبرين، ومجموع هذه الحسنات هي قيمة ذلك الشخص، فأعلاهم قيمة وأرفعهم منزلة في نفوس الناس أعظمهم كمالاً، وأنقصهم درجة أخسّهم فيما هو عليه من حرفة أو صناعة. 

ومن هنا لابدّ من إعادة النظر ومراجعة الحال وتعويض ما فات بالمواظبة على القراءة وجعلها مهارة لا نتوانى عنها، وأن نتعلّم مهارات وأساليب القراءة الحديثة والسعي نحو نشر ثقافة المطالعة، وإعطاء المثقف العربي مساحة أكبر، كما أنّ هذا الهدف المهمّ يحتاج منّا تحرّكاً كبيراً تتعاضد فيه جهات متعددة هي الأسرة والمدرسة والإعلام والمراكز الثقافية والجهات الحكومية.‏

منقول بتصرف/عبدالرّحمن اللاّمي

0 comments:

Blog Tips
Blog Tips
2009@ سوالف عراقية

اشترك معنا في سوالف عراقية