تتويج الملك فيصل الثاني.. وطرائف نوري السعيد




فِي 2 مايس 1953 بلغ الشهيد الملك فيصل الثاني سن الرشد واصبح مؤهلا وفقا للقانون تسلم سلطاته الدستورية وتوسد العرش ملكا على العراق.
سادت القطر احتفالات بهذه المناسبة وكان تعاطف غالبية افراد الشعب معها ايجابيا وانطلقت في تعاطفها من عدة اعتبارات منها كون الملك الجديد ابنا للمرحوم الملك غازي الذي كان قريبا الى قلوب المواطنين ويشعر الغالبية ان مقتله وابنه فيصل الذي لا يتجاوز عمره الاربع سنوات جاء نتيجة لمواقفه القريبة الى تطلعات المواطنين, والاعتبار الثاني انه اصبح يتيم الاب والام بعد وفاة والدته المرحومة الملكة عالية وعمره لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره وبذلك فقد حنان الاب مبكرا والام لاحقا وفي سن مبكر كان فيه احوج الى الرعاية والحنان من اقرب الناس اليه وهم (والده ووالدته) والاعتبار الثالث هو تطلع المواطنين الى ان يكون توليه السلطة سيكون كبداية لعهد جديد يضفي على اسلوب الحكم الذي استمر منذ تاسيس الدولة في عام 1921 نمطا جديدا يغير من ذلك الاسلوب ويعطيه دما جديدا يكون فيه الحكم قريبا الى الشارع.
هذه الاعتبارات الرئيسية الثلاث وغيرها من الاعتبارات الثانوية الاخرى اضافة الى العامل العاطفي الذي يتميز به المجتمع العراقي, لكل هذه العوامل جعلت من فرحة المواطنين لاستلام المرحوم الملك فيصل لسلطاته الدستورية شبه جماعية.
نعود الى مسار الاحداث ومفاجآتها التي ترافقت مع مراسيم تتويجه اذ اقيمت ضمن تلك المراسم دعوة في قاعة الملك فيصل (قاعة الشعب) فيما بعد, تمت فيها استضافة كافة المدعوين لحضور مراسم التتويج من الضيوف ورجال الدولة وتخللت الدعوة اقامة حفلة غنائية شارك فيها الفنانون في تقديم وصلات غنائية بهذه المناسبة, كانت بدايتها مع مطرب العراق الاول المرحوم (محمد القبانجي) الذي ما ان انتهى من غنائه حتى اعلن عريف الحفل انعام صاحب الجلالة الملك فيصل بـ(وسام) للمرحوم القبانجي تقديرا منه لتاريخ الرجل المضيء وما قدمه في مجال الفن الرفيع وخصوصا تطويره للمقام العراقي الذي يتميز به المجتمع العراقي عن بقية المجتمعات العربية الاخرى, وفور الاعلان عن منحه للوسام نهض المرحوم القبانجي واتجه الى الميكرفون وارتجل ابياتا من الشعر عبر فيها عن امتنانه وشكره لجلالته استهله بالبيت التالي:-
(ان حليت صدري بوسام            
كأنه البدر التمام)
عندما وصل الدور في الغناء الى المطربة المرحومة (عفيفة اسكندر), ما ان بدأت وصلتها الغنائية حتى وقف المرحوم نوري السعيد (وكان المشروب قد تمكن منه وفعل فعله) وصاح بأعلى صوته رافعا يده الى الاعلى طالبا من المطربة عفيفه التوقف والبدء بغناء أغنية
"(نوري سعيد القندره
وصالح جبر قيطانه)«
ولمن لا يعرف شيئا عن هذه الاهزوجة من اجيالنا الشابة, انها شاعت في أوساط الشارع العراقي بعد اسقاط معاهدة (بورتسموث) التي عقدت بين العراق وبريطانيا من قبل المرحومين صالح جبر ونوري السعيد وغيرهم من القادة الاخرين لتحل محل اتفاقية 1930, كان ذلك عام 1948 حيث عمت المظاهرات الشوارع وتعطلت ماكنة العمل في الدولة حتى اضطر المسؤولون الى الغائها وسميت في حينه ولا زالت (مجازا) بـ(الوثبة) ولسنا في مجال البحث فيما اذا كانت فعلا تستحق هذه التسمية!!!
نعود الى تداعيات تدخل المرحوم السعيد وطلبه من المطربة عفيفة غناء تلك الانشودة, ارتبكت ولم تعرف كيف تتصرف؟ فالكلمات ليست بالمستوى الذي يمكن التحدث فيه فكيف اذا تحول الى الغناء؟ وفي مثل هذه المناسبة التي يحضرها الضيوف وكبار مسوؤلي الدولة؟ استعانت بزملائها من الموسيقين طالبة منهم العون وجاء الانقاذ عندما سلمها رئيس الفرقة ورقة ما ان اطلعت عليها حتى انفرجت اساريرها وزال الاضطراب منها واستعادت الثقة بنفسها واستلمت المايكرفون استعدادا للغناء ومع عزف الموسيقين انشدت:
«(نوري سعيد شدة ورد
وصالح جبر ريحانه)»
وقف نوري السعيد مرة اخرى ويداه مرفوعة الى الاعلى مقاطعا وصوته مرتفعا طالبا من المطربة (عفيفة) التوقف عن الغناء والعودة الى اصل كلمات الانشودة محتجا على تحريفها, اضطرت (عفيفة) الى التوقف عن الغناء مرة اخرى وهي حيرى فيما عليها فعله, وامام إصرار المرحوم نوري السعيد بدات غناء كلمات الانشودة دون تحريف
«(نوري سعيد القندره
وصالح جبر قيطانه)«
وجمهور المدعوين يتفاعلون معها ويرددون المقاطع ذاتها وفي مقدمتهم المرحوم نوري باشا الذي كان واقفا في موقعه بالمقصورة يتمايل منتشيا بفعل المشروب ومرددا الاغنية بحذافيرها مع الاخرين.
اما موقف المرحوم الملك فيصل فان فقدانه السيطرة على نفسه من جراء الضحك ادى الى سقوطه من الكرسي الذي كان يشغله وبمساعدة المرافقين له تم اعادة التوازن اليه.
حدثني أحد المقربين الى المرحوم نوري باشا ان من أحلى اللحظات عنده عندما كان يشاهد أحفاده, اولاد المرحوم (صباح) المرحومين (فلاح و عصام) وهم يلعبون في حديقة الدار ويرددون تلك الانشودة وهو يضحك من أعماقه مجاريا لهم في التصفيق ومشاركا معهم في الغناء.

0 comments:

Blog Tips
Blog Tips
2009@ سوالف عراقية

اشترك معنا في سوالف عراقية