على هامش الأزمة اليونانية ....لهذه الأسباب أعلنت 83 دولة إفلاسها خلال القرنين الماضيين
أشهرت 83 دولة إفلاسها على مدى القرنيين الماضيين إثر تخلفها عن دفع التزامات ناجمة عن ديون داخلية وخارجية، من ضمنها دول تشكل الآن أكبر اقتصادات في العالم، مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، واليابان، والمملكة المتحدة، والصين، ونصف دول القارة الأوروبية، و40% من دول إفريقيا (22 دولة)، و30% من دول آسيا (14 دولة). فيما تأتي دول قارة أمريكا الجنوبية في صدارة قائمة دول العالم الأكثر إفلاسًا، وتعد أوقيانوسيا المنطقة الوحيدة التي لم تشهد دولها أي حالة تخلف عن دفع الديون، سواء كانت داخلية أو خارجية، بينما أعلنت 13 دولة في أمريكا الشمالية (البالغ عدد دولها 23) إفلاسها مرة واحدة على الأقل.
وتحتل فنزويلا، وبيرو، والإكوادور، التي أعلنت إفلاسها 10 مرات، المرتبة الأولى في قائمة بلدان العالم الأكثر وقوعًا في الإفلاس، تلتها في المرتبة الثانية البرازيل، والمكسيك، وأوروغواي، وتشيلي، وكوستاريكا، وإسبانيا، وروسيا، بإعلان إفلاسها 9 مرات خلال القرنين الماضيين. وتأتي ألمانيا في مقدمة الدول الاقتصادية الكبرى التي عانت من الإفلاس؛ حيث وقعت تحت وطأته 8 مرات خلال 200 عام ونيف، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية (5 مرات)، والصين وبريطانيا (4 مرات)، واليابان (مرتان).
وطبقا لـ “ويكيبديا”، لا توجد نظم محددة تحكم عملية إفلاس الدول، مثلما هو الحال بالنسبة للشركات، التي غالبًا ما تجبر على ملء استمارة إفلاس لكي تتخذ بعد ذلك الإجراءات القانونية اللازمة لتصفية الشركة. أما بالنسبة للدول التي تقع في أزمة ديون سيادية، فإنها غالبًا ما تلجأ إلى محاولة تدبير العملات الأجنبية من خلال طرقها الخاصة أولًا؛ فإذا فشلت فإنها إما تلجأ للمؤسسات غير الرسمية (مثل نادي باريس) أو المؤسسات الرسمية الدولية (مثل صندوق النقد الدولي).
نادي باريس، مؤسسة غير رسمية تمثل تجمع الدائنين من الدول الغنية في العالم، أنشئ في عام 1956 نتيجة المحادثات التي تمت في باريس بين حكومة الأرجنتين ودائنيها، ويتولى نادي باريس مهمة إعادة هيكلة الديون السيادية للدول، أو تخفيف أعباء بعض الديون أو حتى إلغاء بعض هذه الديون السيادية، مثلما حدث عندما قام النادي بإلغاء كافة ديون العراق في 2004، وغالبًا ما تستند قرارات النادي إلى توصية من صندوق النقد الدولي.
فيما يقيم صندوق النقد الدولي أوضاع الدولة التي تلجأ إليه؛ فإذا كان التوقف عن السداد راجعًا لظروف طارئة، على سبيل المثال انخفاض أسعار صادرات هذه الدولة، فإنه يعقد معها ما يسمى اتفاق المساندة Standby، والذي بمقتضاه يتم منح الدولة تسهيلات نقدية بالعملات الأجنبية في صورة نسبة محددة من حصتها لدى الصندوق (على صورة شرائح)، دون أن يفرض على الدولة إجراءات لتصحيح هيكلها الاقتصادي والمالي. أما إذا كان التوقف عن السداد يعود إلى مشكلة هيكلية مرتبطة بضعف هيكل إيرادات الدولة أو سوء عملية تسعير السلع والخدمات العامة، أو عدم مناسبة عملية تقييم معدل صرف عملتها المحلية؛ فإن الصندوق يشترط في هذه الحالة أن ترتبط عملية تقديم المساعدة للدولة بضرورة اتباع الدولة لبرنامج إصلاح هيكلي يتضمن مجموعة من الإجراءات المقترح أن تتبعها الدولة حتى تستطيع إصلاح هيكل ميزانيتها العامة وتخفيض العجز في ميزان مدفوعاتها، وتحسين قدرتها على الاقتراض والسداد في المستقبل.
أسباب الإفلاس وتبعاته
هناك ثلاثة أسباب رئيسة لإفلاس الدول: الأول- عدم قدرة الدولة على دفع ديونها كليًا أو جزئيًا، أي تدفع الديون اللازمة لتشغيل الدولة ولا تدفع فوائد الديون مثلًا، وتحدث في نهاية سنوات طويلة من الاستدانة والعجز في الميزانية؛ بسبب تعاظم الديون أو أنخفاض الضرائب بسبب البطالة، أو قوانين جديدة تخيف الأسواق المالية فتنسحب رؤوس الأموال من البلد. والثاني- تغيير الحكومة، وذلك في حالات الثورات مثلًا ورفض الحكومة الجديدة الالتزام بديون النظام السابق، مثال الثورة الفرنسية. والثالث- انهيار الدولة بسبب خسارتها لحرب أو انقسامها إلى عدة دول، وهنا ينتقل الدين إلى النظام الجديد، أو الدول الجديدة التي حلت مكانها جغرافيًا.
ولإفلاس الدول تبعات على الدائنين، منها: اختفاء أو خسارة كل أو جزء من الأموال التي أقرضوها لتلك الدولة، أو الفوائد على تلك الديون، وعادة تكون هناك مفاوضات يستردون بموجبها بعض تلك الأموال، وقد تصل الخسارة إلى 75% من أموالهم، كما حدث مع الأرجنتين، ويتم تقسيم الديون إلى داخلية أو خارجية، وبالعملة المحلية أو عملة عالمية، وما إذا كان الدائن حكومة أو قطاعًا خاصًا.
ولكن هناك إيجابيات لتبعات الإفلاس على الدولة، أبرزها: انخفاض مصروفات الدولة تجاه الدائنين؛ حيث تتوقف عن دفع مستحقاتهم، ولكن ينعكس سلبيًا على سمعة الدولة ويدمر الثقة في البلد؛ ما يعني عدم إمكانية الحصول على قروض جديدة من سوق المال. كذلك يؤثر على المواطنين، فالانخفاض الكبير في قيمة الثروة النقدية للدولة يؤثر على مواطنيها بعدة طرق؛ نظرًا لأن المواطن هو دائن لدولته بطرق مختلفة، كأن يكون حاملًا لسندات الدولة أو مشتركًا في صندوق تقاعد يحمل تلك السندات.
الأرجنتين نموذجًا
وفي عام 2001، أوشكت الأرجنتين على الإفلاس، عندما فشلت في سداد ديونها التي بلغت ما يعادل 240 مليار دولار، ووصول البطالة والاحتجاجات إلى مستوى خطير؛ ما أدى إلى تعاقب أربعة رؤساء على منصب رئيس الجمهورية خلال شهور قليلة. وقبل ذلك بعام، وافق صندوق النقد الدولي على منح الأرجنتين قرضًا بقيمة 20 مليار دولار لدعم الاقتصاد وسط ركود طالت مدته، وربط الصندوق هذه الموافقة بإجراءات تقشفية صارمة، ولكن سرعان ما أدى العجز المرتفع في الميزانية وتزايد هروب رؤوس الأموال إلى تبديد أي تأثير إيجابي لهذا الدعم المالي الدولي.
واضطرت حكومة الأرجنتين في نوفمبر عام 2001 إلى تجميد أرصدة ملايين المواطنين في البنوك، عندما رفض الصندوق دفع حصة قدرها 1.2 مليار دولار من القرض بسبب عدم تنفيذ إجراءات التقشف التي تعهدت بها الحكومة، وخرج الشعب الأرجنتيني إلى الشوارع وأغلقوا فروعًا بنكية وووقعت عمليات تخريب للمحلات التجارية والأسواق، وقد سقط قتلى وجرحى في العاصمة بوينس إيرس عندما واجهت الشرطة المتظاهرين، وعندما خرج الوضع عن السيطرة تمامًا، فر الرئيس فيرناندو دي لا روا يوم 20 ديسمبر بطائرة عمودية من مبنى الحكومة وأعلن استقالته على وجه السرعة، وأعلن الرئيس الانتقالي للبلاد، أدولفو رودريجوز، عجز الأرجنتين عن تسديد ديونها وخفض قيمة العملة المحلية (البيزو) بنسبة 65% بعد أن كانت تساوي، بموجب القانون وعلى مدى عشر سنوات، نفس قيمة الدولار؛ مما رفع النسبة المئوية لنصيب الديون الخارجية في إجمالي الناتج المحلي من 50% إلى أكثر من 100% من إجمالي الناتج المحلي.
0 comments: